قال الأمين العام لملتقى المثقفين الثاني، محمد رضا نصرالله ل”الشرق”: إن الشاعر الشعبي ليس غائباً، ولكنه موجود تحت عنوان المأثورات الشعبية التي تضم “الشعبي”، و”التطريز”، و”النسيج”، وكل ما ينطبق عليه النتاج الثقافي غير المادي. يأتي كلام نصرالله هذا رداً على سؤالنا حول سبب عدم توجيه الدعوة لشعراء شعبيين للمشاركة في الملتقى، وهل يرى حقاً أن الشاعر الشعبي غير مثقف، وأن هذا الملتقى ليس مكانه؟. وأضاف نصرالله “هذا الملتقى ليس مجالهم، فالشعراء الشعبيون مكانهم في مهرجان الجنادرية، وليس في هذا الملتقى الذي يخطط للمستقبل الثقافي؛ هذا ليس مؤتمراً للأدب، بل هو ملتقى ثقافي ذو طبيعة إجرائية، وهو أقرب ما يكون إلى آلة لصناعة الأفكار، وطرح آراء تخطيطية لمستقبل الثقافة السعودية. “الشرق” نقلت هذا التصريح إلى الكاتب محمد السحيمي، فقال: المسألة ليست في إقصاء الشاعر الشعبي، إنما هي إحساس بالدونية تجاه الشعر الشعبي، مازلنا على أفكار قديمة، فالأدب الشعبي من الثقافة، وليس أدنى من الأنواع والفنون الأخرى، لكننا مارسنا نوعاً من الدونية تجاهه مر التاريخ. وعلى سبيل المثال “ألف ليلة وليلة” ظلت حكايات شعبية ينظر إليها باحتقار إلى أن اكتشفها الغرب وعمل منها كل هذه الإبداعات، واعدوها مثالاً على الخيال وسعة الأفق وسعة الإبداع وعظمة هذا المنتج الشعبي “ألف ليلة وليلة”، ما دعانا أن نعترف ونفتخر به. الشاعر الشعبي سعد بن جدلان الأكلبي، قال: إذا محمد رضا نصر الله وغيره يريدون أن يقدموا لنا “أفكاراً بايتة” وقديمة، فهؤلاء يقدمونها على الهواء مباشرة من خلال المحاورة كأفكار طازجة. والآن يحصدون تكريمهم من الناس، فشعراء المحاورة يأخذون في الليلة من خمسة آلاف إلى عشرة آلاف ريال كمتوسط، من أجل إحياء حفلة، وفي المواسم يحضرون ثلاث مناسبات في ليلة واحدة، وكثير منهم استقال من الوظيفة، فهم يحصلون على مبالغ يستحقونها، بينما نحن نحضر هذا الملتقى، ويصفوننا بالمثقفين، فالذي يسكن الرياض لا يشمله السكن، ولا الإعاشة، ولا الاتصال، ولا المواصلات، ولا أحد يصدق أننا نشرب الماء والشاي على حسابنا. ومن جهته، يقول الشاعر نايف صقر: هذا الرأي الرديء ينم عن انتقاص واحتقار للشعر الشعبي، وللجنادرية أيضاً، فإذا كان هذا الرأي هو رأي المسؤولين في وزارة الثقافة والإعلام فهذه مصيبة وخطأ فادح لا يغتفر، ويجب عليهم أن يراجعوا حساباتهم، وإن كان رأي محمد رضا نصر الله ووجهة نظره الشخصية بعيداً عن كونه الأمين العام لملتقى المثقفين، فليعلم أن الشعر الشعبي وكثيراً من الشعراء الشعبيين تجاوزونه وأمثاله بمراحل بعيدة، وهذا الرأي هو انتقاص من الجنادرية قبل الشاعر الشعبي، الجنادرية الحدث التاريخي “العالمي” وعلى جميع المستويات، التي يدعمها ويرعاها رجل بقامة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، ويحضر إليها العلماء والأدباء المثقفون من كل أصقاع الأرض، ويتصدر فعالياتها الشعر الشعبي بداية من الأوبريت، والقصيدة الافتتاحية التي يلقيها خلف بن هذال، ويحضرها كبار المسؤولين في الدولة. فما هو إلا دليل على أن الشعر الشعبي هو صاحب السبق، وصاحب الريادة، وثبت ذلك من خلال شواهد كثيرة أهمها أزمة الخليج، وكيف كان صوت خالد الفيصل، وخلف بن هذال، وكثير من الشعراء الذين كانت أصواتهم مجلجلة ومؤثرة، أضف إلى ما تلاها من أزمات ومواقف. وفي النهاية إذا كانت ثقافتنا وموروثنا ينتظر الإنصاف، أو الحكم من “ملتقى نصر الله”، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وقال الشاعر مسفر الدوسري: المشكلة عند المشتغلين بالثقافة لدينا، ولا أقول المثقفين “إنهم يعانون من داء مستعصٍ يتمثل بازدواجيتهم المضحكة، وسهولة تعرية تنظيراتهم، يدافعون عن الحرية وفي داخل كل منهم ديكتاتور. نحمد الله أنه مازال في قمقمه، يناضلون ضد الإقصاء وهم أكثر مَنْ يمارسونه، تجدهم مع كل مبدأ جميل إذا كان مفصلاً على قياسهم فقط، ولا أحد سواهم! إذا كان هذا نهج مَنْ تصدى للفكر والثقافة لدينا، فما يُرتجى منا نحن البسطاء، وأقصد الشعراء الشعبيين (بتوع الجنادرية)، والناس العاديين على حد فهمهم. مجالنا الجنادرية! نعم، وما أعظمه من شرف وتكريم، فهي في النهاية ليست “شتيمة”، ومَنْ يدعّون أنهم “مثقفون” هم أكثر المتهافتين عليها، وفعاليات الفصحى في مهرجان الجنادرية أكثر من فعاليات الشعر الشعبي، وإن كان الشعر الشعبي يقف عند بوابة أحد من المسؤولين في وزارة الثقافة والإعلام، أو عند بوابة محمد رضا نصر الله، أو غيره، ليأخذ تأشيرة مرور تضمن أحقيته في الوجود على الساحة الثقافية، “فعلى الشعر الشعبي السلام”. وفي النهاية الشعر الشعبي، أو الشاعر الشعبي، إن كانت لديه قضية ثقافية فهو قادر على طرحها وتوصيلها من خلال نتاجه الأدبي، وليس من خلال هذا “الجمع”، أو الملتقى، فليهنأ “نصر الله” بملتقاه، وليغرد الشعراء الشعبيون في فضائهم الأنقى والأوسع. محمد السحيمي