من الأمور الخاصة المثيرة للسخرية في نشاطات اللوبي الإسرائيلي في الولاياتالمتحدة، كيفيةُ اتخاذه مواقف تكون أكثر تطرفاً في بعض الأحيان من تلك التي تأخذها الحكومة الإسرائيلية، حتى عندما لا تكون هناك مصلحة يمكن تفهمها للولايات المتحدة. يمكن أن يتساءل المرء كيف يمكن أن يحدث هذا؟ حيث إن الحكومة الإسرائيلية الحالية هي الأكثر تطرفاً في تاريخ البلد، بوجود بنيامين نتنياهو كرئيس للوزراء، وليبرمان كوزير للخارجية، لكن التحركات الأخيرة في الكونجرس الأمريكي تبين بوضوح أن كثيرين في واشنطن لا يعرفون كيف يتوقفون عند حد عندما يتعلق الأمر بتعزيز ما يعتقدون أنه «جيد لإسرائيل». في نهاية شهر أكتوبر، كتب 36 عضو كونجرس معظمهم من اليهود، وجميعهم من الحزب الديمقراطي، رسالة موجهة للرئيس باراك أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، طالبوا فيها بوضع جميع السجناء الفلسطينيين الذين أطلق سراحهم من السجون الإسرائيلية لضمان إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط على قائمة الإرهاب الأمريكية. قال كاتبو الرسالة «لا نشعر سوى بالازدراء للجرائم التي ارتكبها السجناء الفلسطينيون». وتمضي الرسالة لتذكر أسماء بعض الإسرائيليين الذين يفترض أنهم قتلوا على يد بعض هؤلاء السجناء. كثير من السجناء الفلسطينيين كانوا بالطبع لم تكن لهم أي علاقة بأي عمل إرهابي، ومن المهم القول إن إطلاق سراحهم من قبل إسرائيل يدل على أن تل أبيب نفسها لم تعد ترى أنهم يشكلون خطراً. لماذا شعر الكونجرس الأمريكي إذاً أنه مدفوع لعمل شيء ما؟ لإظهار حماسه في دعم ما يعتقد أنه مصلحة إسرائيلية. ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد؛ فالكونجرس يدرس الآن مشروع قرار يجعل من غير القانوني أن يتحدث أي مسؤول أمريكي إلى أي مسؤول في الحكومة الإيرانية، وهو تحرك ربما يراه حتى الإسرائيليون متطرفاً. سيضمن ذلك أن العلاقات بين البلدين سوف تزداد سوءاً. وفي الخامس من نوفمبر، تم تمرير قانون آخر مدعوم من اللوبي الإسرائيلي. القانون اسمه «قانون تقليص التهديد الإيراني لعام 2011»، وهو يعاقب أي شركة أو حكومة تتعامل مع إيران؛ الأمر الذي يعدّ تضييعاً كاملاً للمصالح الأمريكية لاسترضاء ما يعتقد أنه مصلحة إسرائيلية، مع أن إسرائيل نفسها لم تفكر في نظام مقاطعة بهذه الحِدة. القانون الجديد سيعني أن بيع شاحنة واحدة من نوع مرسيدس، ألمانية الصنع، إلى إيران سوف ينتج عنه منع جميع مبيعات مرسيدس في الولاياتالمتحدة، إغلاق مصنع الشركة في توسكالوسا ألاباما، وإضافة آلاف العمال الذين يعملون فيه إلى قائمة العاطلين عن العمل. وعندما يتعلق الأمر بمعاقبة الفلسطينيين ومؤيديهم، لا شيء يعدّ تطرفاً بالنسبة لأصدقاء إسرائيل في الكونجرس الأمريكي. فقد صادق الكونجرس على قانون ينص على أن أي منظمة عالمية تعترف بدولة فلسطين لن يسمح لها باستلام أي تمويل من واشنطن. ليس هناك أي طريقة للتحايل على بنود القانون. حتى الرئيس الأمريكي نفسه ملزم بتطبيقه. عندما وافقت منظمة اليونيسكو التابعة للأمم المتحدة عضوية فلسطين في نهاية أكتوبر، تدخل القانون الجديد، وتم إيقاف تمويل اليونيسكو من الولاياتالمتحدة مباشرة. ولإتمام العملية، قدم السيناتور ليندسي جراهام من جنوب كارولينا مشروع قانون سيجبر حكومة الولاياتالمتحدة على الانسحاب من أي منظمة كهذه المنظمة. وقدم جراهام تفسيراً لأسباب معاقبة المنظمات التي تعترف بفلسطين، قائلاً «إذا كانت الأممالمتحدة ستصبح هيئة توافق على مشروع الدولة الفلسطينية، فإن عليها أن تعاني؛ إنه قرار يتخذونه هم بأنفسهم». لكن الولاياتالمتحدة هي التي سوف تعاني؛ حيث إن الفلسطينيين سيتقدمون على الأرجح بطلب العضوية إلى 16 منظمة أخرى تابعة للأمم المتحدة، بما في ذلك المنظمة الدولية للطيران المدني، الاتحاد الدولي للبريد، الاتحاد الدولي للاتصالات، البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، منظمة الصحة العالمية، الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومحكمة الجنايات الدولية، فإن تصرف الكونجرس يؤسس لاحتمالات مثيرة للاهتمام. الفلسطينيون سيتلقون على الأرجح تأييداً كبيراً من الأعضاء الذين سيصوّتون على الطلب، كما حدث في منظمة اليونيسكو، وسوف يصبح لهم الحق في المشاركة في منظمات عديدة. واشنطن ستكون مجبرة على إيقاف تمويل جميع تلك المنظمات، وربما تتوقف عن المشاركة فيها أيضاً؛ وبذلك تفقد الحق في التدخل في شؤون عدد من المنظمات المهمة التي تنظم خدمة البريد الدولي، التجارة، المعايير الصحية، والسفر. ومن المفارقات أن الولاياتالمتحدة ليس لها أي مصالح وطنية على الإطلاق تجبرها على رفض الحديث مع الدبلوماسيين الإيرانيين، أو رفض قبول الدولة الفلسطينية، وهي لا تفعل شيئاً سوى عزل نفسها أكثر فأكثر عن المجتمع الدولي، من خلال تطبيق عقوبات كبيرة وغير متوازنة على غالبية العالم، حول قضايا يجب ألّا تكون موضع جدل أو خلاف أساساً.