يؤلمنا كثيرا ونحن نقرأ ما تنشره الصحف صباح كل يوم عن جرائم لا يصدقها العقل وتتفطرلها القلوب، أبطالها آباء وأمهات، إخوان وأخوات، أزواج وزوجات. البناء القويم والمستقيم لأي مجتمع، يكون أساسه سلامة العلاقات بين أفراد المجتمع واستقامة سلوكهم، وما يصيب الأسرة من تفكك وتصدع تنعكس آثاره السلبية على المجتمع كله، ومن هنا تأتي أهمية العناية بالأسرة كقاعدة أساسية لبناء مجتمع سليم. لأن المجتمع بأسره كيان واحد بنيان مرصوص، أي تصدع يهدد البنيان بالانهيار كله، العلاقة الصحيحة، بين أفراد الأسرة، لابد أن تكون مبنية على التواصل والتراحم والحب، ومجتمعنا مجتمع تأصلت فيه القيم الإسلامية، ننتهج الإسلام عبادة وسلوكا، ونتخذ منه أساليبنا في التربية وحُسن الخُلق ومعاشرة الناس ومعاملتهم بخُلق حَسَن. وللحق أقول كان (مع الأسف) مجتمعنا من المجتمعات العربية القليلة التي لم تتأثر بسلوكيات الغرب وعاداته. ومبعث أسفي، أننا أخذنا نفتقد هذه الخصال، ونسمع من القصص والقضايا، ما كنا نستغرب قراءتها في صفحات الحوادث في صحف المجتمعات التي لها دستورها وقوانينها المدنية، وهو نتيجة طبيعية لانفتاحها على العالم وتأثرها بأخلاقياته، وهو من مؤثرات المد الثقافي والإعلامي. لا أحد ينكر أثر العولمة على القيم الاجتماعية والسلوكيات، لأننا مع الأسف نأخذ من المتغيرات سلبياتها، فاكتشفنا دخول عادات جديدة وسلوكيات غريبة على مجتمعنا، أضرّت بالعلاقات الأسرية، وأفرزت سلوكيات مشينة، وعلاقات محرمة وثقافات غير حميدة، نتيجة لقلة الوعي، وانعدام الضوابط والرقابة الأسرية الواجبة في كل بيت. ولي تحفظ على ما يروجّه ويعتقده البعض من أفكار، على اعتبار أن سلبيات متغيرات المجتمع تعود لعوامل الانفتاح على الآخر وتعايشنا معه مع اختلاف هوياتنا ومعتقداتنا، ونسلّم جدلاً أنه جزء من العوامل ولكنه ليس سببا جوهريا في تغيير بنيتنا الاجتماعية والأخلاقية، فكثير من الأمم تواصلت واختلطت بشعوب أخرى مختلفة عنها في الخلق والدين والطباع والعرق، لكنها استطاعت أن تحافظ على أخلاقياتها وتقاليدها، ناهيك عما لدينا من ثوابت هي جزء لا يتجزأ من مسلماتنا الإيمانية ويقيننا بماهو حق وما هو باطل، ومعرفتنا للطيب والخبيث، والذي هو خير وما هو شر. ولهذا تفشت واستشرت في مجتمعنا العريق في تقاليده ومقومات بنائه السليم، عادات شاذة وغريبة، تتناقض مع أصالة موروثنا الثقافي، وهويتنا من حيث التربية والأخلاق والثقافة. ولعل من الظواهرالغريبة والجرائم المستنكرة ما يصنف في قوائم العنف الأسري والتحرّش الجنسي واغتصاب ذوي المحارم والتي تثبت فداحة ما لحق بمجتمعنا من انحراف وتفكك، وخسارتنا لكثير من القيم. الأرقام التي تشير إليها إحصائيات، موثقة ببحوث ميدانية لمتخصصين ونشطاء حقوقيين في مختلف المناطق، تؤكد أننا أمام ظاهرة اجتماعية خطيرة، علينا معالجتها وسرعة وضع حلول جذرية لمعالجة المشكلات الأسرية المتفاقمة، ووضع برامج صارمة في أدائها لحماية الأفراد المعنفين، فنحن يا سادة أمام أزمة مجتمع لا أزمة أخلاق.