استكمالاً وتعليقاً على ما بدأه الزميل المتمكّن طارق الحميد رئيس تحرير الشرق الأوسط الذي أقرأ كل مقالاته وأتفق معه في معظم ما يطرح- يوم الثلاثاء الماضي بعنوان «الخليج العربي وإيران» ويوم الخميس الماضي بعنوان «السعودية والإمارات والفئة الضالة»، وهذا المقال الأخير تساءل فيه عن المموّل لتلك الخلية التي ضبطتها الإمارات بالتعاون مع السعودية ومن أين حصلت على المعدات التي بحوزتها؟، ووفقاً لمقال الحميد الأول، أودّ أن أقول إن إيران عدوٌّ واضحٌ، وعداوته مكشوفة ومعلنة، وأتفق مع طارق في كل ما قاله عما يتحتم على دول الخليج أن تفعله لمواجهة إيران وتدخُّلاتها ومؤامراتها وأهدافها في زعزعة استقرار دول الخليج سواءً من داخلها أو من خلال جيرانها هنا وهناك، ومع هذا كله أعتقد أن إيران ليست المشكلة الأكبر لدول الخليج على الرغم من خطر ما تفعل سواءً على المستوى العسكري والنووي، أو على مستوى العداء الأيديولوجي، أو على مستوى المؤامرات والتدخُّلات والدعم المادي والمعنوي لأعداء دول الخليج. أقول إن إيران ليست المشكلة الأكبر، بل الأكبر والأخطر منها هو «العديق» الداخلي، أي داخل دول مجلس التعاون الخليجي نفسها سواءً كان هذا «العديق» دولة أو منظمة أو جهة تمويلية قادرة، لا أريد أن أستعجل فأحدّدُ لكن اللبيب بالإشارة يفهم، والإشارات والمؤشرات واضحة وظاهرة، فإذا أعلنت دولة الإمارات صراحة أن هذه الخلية تلقت دعمها وتمويلها ومعداتها من إيران فلن نستغرب، أمّا إن صمتت دولة الإمارات العربية ولم تعلن، كما فعلت المملكة العربية السعودية في حالات سابقة، فإننا لن نقتنع مطلقاً أن الأمن السعودي أو الإماراتي عاجز عن معرفة المموّل والداعم، لكننا سنعرف تلقائياً أن الداعم من «ربعنا»، وأن الدولتين لا تحبّان ولا ترغبان إعلان اسم هذا «العديق» لأسباب نجهلها ولا نجد لها تفسيراً منطقياً، لكن شكوكنا وشكوك غيرنا ستقترب من مرحلة اليقين، ورؤوس الأقلام التي عندنا ستصبح سطوراً وصفحات. ولأنني لا أحبّ المغامرة غير المحسوبة، ولا الجرأة غير المحصّنة بقوة المعلومات، فإنني سأغامر وأتجرأ وأقول اقرأوا مقال المجرب العميق «يوسف الديني في صحيفة الشرق الأوسط يوم الثلاثاء الماضي بعنوان «ولاية المرشد»، وهو يوضّح في مقاله كيف تسير الخطوات في حكومة مصر «الإخوانية» نحو هذه الولاية على غرار «ولاية الفقيه» في إيران، وهو يشير إلى التصريح الشهير للشيخ القرضاوي الذي «لوّح بسحب كل المساعدات القطرية في حال عدم التصويت بنعم» على الدستور المصري الذي أُقرَّ بنسبة 64% من 32% شاركوا في التصويت ممن يحق لهم المشاركة والذين يصل عددهم إلى خمسين مليون مصري، وأنا الآن لا يعنيني ما حدث ويحدث في مصر، فذاك موضوع آخر، لكن يعنيني الشيخ يوسف القرضاوي «المصري القطري» وقبلهما وأهم منهما «الإخواني العريق» حيث لا بد أن نسأل ما هي علاقته وسطوته بحيث يلوّح بإيقاف الدعم القطري في حال عدم التصويت بنعم؟ القرضاوي بالضرورة والانتساب والتاريخ والأصل، شريك في حكم «الإخوان» لمصر، لكن هل هو شريك في حكم «قطر» حتى يلوّح بقطع دعمها في حال عدم التصويت بنعم للدستور المصري؟ وهل قطر تدعم مصر، أم تدعم «حزب الإخوان المسلمين» وتنظيمهم الممتد والمتجذّر في كل (وطن عربي) وفي دول الخليج بصفة خاصة، لا سيما والكل يعلم أن ما نسميه «الفئة الضالة» هم من تنظيم القاعدة المنبثق عن السلفية «الجهادية» المنبثقة عن «السلفية الحركية» المنشقة عن «السرورية» المنشقة عن حزب «الإخوان المسلمين»، يعني كل الحركات «الإسلاموية» أساسها إخواني. لقد تحدثت وسألت على هامش قمة مجلس التعاون الخليجي الأخيرة مسؤولاً خليجياً معروفاً وكبيراً، وكنت مع الزميل جميل الذيابي، وأبديت له مخاوفي وشكوكي الكبيرة ومعلوماتي القليلة عن هذا «العديق» الخليجي، فأكدها لكنه هوّن منها وقال هي فقط من باب «نحن هنا» كما يعتقد، لكني أعتقد أن «نحن هنا» هذه لو استمرت وتصاعدت والجميع صامتون ستصل إلى مرحلة «لسنا هنا» كلنا، وقد فكّرت وتأمّلت ولم أجد مبرراً مقنعاً للصمت أو حتى لعدم التفاهم غير المعلن ولكن بصراحة، ومع أن هذا المسؤول الخليجي الكبير قال لنا «جميل وأنا»، إن الصراحة في هذا الأمر تولّد عداوة مؤكداً بقوله «في حلوقنا شوك» ، إلا أنني أتوجس أن يكبر هذا الشوك ويقطع الحبال الصوتية عندما نريد أن نتحدث بصراحة في الوقت غير المناسب ، بينما قالت مسؤولة بحرينية بارزة إنها تزوّد قيادة مملكة البحرين بكل المعلومات التي تحصل عليها، ودورها يتوقف هنا. يوم الإثنين الماضي كتبت هنا وقلت إن على قادة دول مجلس التعاون أن يضعوا أساساً متيناً للاتحاد المقبل، هذا الأساس اسمه في نظري «الصراحة» بينهم وفق المعلومات المتوفرة لكل منهم، وهي الأساس الذي يسبق كل ما اقترحه الزميل العزيز طارق الحميد وأنا أتفق معه فيه- لقوّة دول المجلس في مواجهة إيران «العدو الواضح»، لأنه لا يصح، ولن يكتمل بناء الاتحاد، ولا التعاون «إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم»، ومنذ القدم قيل، وهو قول دقيق عميق «اللهم اكفني شرَّ أصدقائي أمَّا أعدائي فأنا كفيل بهم»، وسبب هذا القول أن «العدو» معروف والاحتياط له ومنه واجب وممكن، أما الصديق إذا أصبح «عديقاً» فإنك لا تدري من أين يطعنك، لأنه يعرف خفاياك ونقاط ضعفك ويستغلها. وأودّ أن أؤكد هنا أنه لا خطر حقيقياً على دول مجلس التعاون من «إيران»، فهي عدو معروف، ودول مجلس التعاون تعرفه وتعلنه وتحذره، وقادرة بإذن الله- على مواجهته، لكن الخطر الأكبر عليها من «عديقها» الذي يعيش داخلها، ويستغل نقاط ضعفها ويضخمها ويدعمها، ويجد من الأدوات والعناصر البشرية ما يتناغم مع ما يبدو من توجهاته وآلياته للتحرك والدعم هنا وهناك. نحن في المملكة مثلاً- أقول مثلاً- وللمرة الثالثة أقول مثلاً، «كررتها ثلاث مرات للانتباه» ليس لدينا بحمد الله، ما يتشابه أو حتى يقترب من الأسباب التي دفعت الناس في تونس ومصر وغيرها من الخروج والتظاهر، واقتلاع النظام، لكن تصوّر لو نجح هذا «العديق» أو أدواته، من أن يخرج في كل مدينة في شبه القارة السعودية عشرة أفراد يحتجون على الفقر والظلم والكبت ونحو ذلك من شعارات الثورات العربية البراقة الخادعة، وكانت كاميرات الجوالات تبث مباشرة لقناة «الجزيرة» وما شابهها، تصوّر كيف ستكون صورة المملكة «ورشة التنمية العملاقة» أمام العالم. ولاحظوا أنني قلت مثلاً- وإلّا فمثل هذا حدث في الكويت، وفي البحرين وسلطنة عمان وقد يحدث في الإمارات، و«القرضاوي» يبيحه ويشجّع عليه شرعياً، والخبير الاستراتيجي «التراجيدي» عزمي بشارة سيحلله سياسياً واجتماعياً ويبدأ في رسم الصورة الحالمة للجمهوريات في الخليج. احذروا من «عديقكم» قبل وأكثر من «إيران» وقولوا له صراحة «بلاش اللعب بالنار». وقبل أن أغادركم اليوم أودّ أن أودّع الزميل «طارق الحميد» الذي سيغادر كرسيّ رئاسة تحرير الشرق الأوسط يوم الإثنين المقبل بعد ثماني سنوات من الاجتهاد والتألّق له وللصحيفة، وأقول له، إن من أعظم مكاسبك الآن أنك ستفقد أصدقاء كرسيّ رئاسة التحرير، وستبدأ في استقبال أصدقاء رئاسة «المستشارية» لكونك ستكون مستشاراً «لرئيس المجموعة» الأمير فيصل بن سلمان، أمّا طارق «الرجل والكاتب الواعي» فهو الباقي الذي لن يغادر أبداً، وأصدقاؤه بهذه الصفة كثر في الوطن العربي كله، وهم باقون على العهد، حتى لو تحوّل إلى «عاطل» وهذه أقولها عن تجربة، ومرحباً بزميلنا الأنيق عادل الطريفي الذي سيصبح رئيساً للتحرير في الشرق الأوسط من يوم الثلاثاء القادم وسيشغله الأصدقاء الجدد «أصدقاء الكرسيّ» لدرجة ستدهشه، وبالمناسبة فالطريفي لن يُخدع لأنه مثقف عميق، وهذا يكفي.