عند الخامسة مساءً يتجمع الناس في شوارع حلب التي امتلأت بحفر المدافع ليمضوا المساء في البرد القارس بدون ضوء أو حرارة لتدفئتهم. ويقول عمر أبو محمود «نستلقي طوال الوقت تحت البطانيات، فنحن بلا عمل أو مال أو حياة، لقد حان الوقت للمغادرة الآن قبل وصول القناصين». وتنفجر القذائف في أنحاء حلب طوال الوقت، ولكن بعد خمسة أشهر من القتال، وبحسب صحيفة «واشنطن بوست»، أصبح الناس معتادين على التهديد الحاضر في جميع الأوقات. وردعت الأجواء الغائمة والأمطار الطائرات الحربية موفرةً الراحة من الغارات الجوية التي يمكن أن تمحو مبانٍ سكنية بأكملها، جنباً إلى جنب مع سكانها في لحظة واحدة. ولكن بحلول الشتاء للمرة الثانية منذ قيام الثورة السورية قبل 22 شهراً، جلب معه كارثة أخرى للشعب السوري بجانب أحداث العنف والحرب، ويمثل المرض والجوع والبرد تحديات عنيفة على حد سواء مع النضال اليومي البائس لملايين الناس، وليس فقط في حلب بل في كافة أنحاء سوريا. وقال سائق يدعى عبدالله عوف (29 عاماً) «تستطيع أنت أن تختبئ من القذائف، ولكن ماذا يستطيع أن يفعل طفلك؟». ولا تعد حلب المدينة الوحيدة التي تعاني من تلك المعاناة، بل ينقل المراسلون قصص الناس من أنحاء البلاد الذين يبحثون عن أكل في النفايات، ويجردون المباني لجمع الحطب، وينتظرون ساعات طوالاً للحصول على كسرة خبز. ويتجلى البؤس في مناطق حلب التي يسيطر عليها المتمردون، حيث ارتفع عدد المقاتلين في المدينة في يوليو على أمل تحقيق نصر سريع بعد طرد القوات الحكومية من كثير من المناطق الريفية المحيطة بها، ولكن هجومهم كان سيىء التخطيط وسابقاً لأوانه، وتوقف على الفور تاركاً المدينة مرقعة في حالة يرثى لها، حيث تسيطر قوات الحكومة على وسط المدينة والأحياء الغنية في الغرب، بينما يتجمع المتمردون في المناطق الفقيرة في الشرق والجنوب. وتتدهور البنية التحتية التي حوت 3 ملايين نسمة في وقت من الأوقات بينما ينتشر القتال في أنحاء المدينة، وتحاول الطائرات الحربية الحكومية قصف المنشآت الواقعة تحت سيطرة المتمردين بما في ذلك مستشفيات ومخابز، ناهيك عن قطع الكهرباء بعد أن استهدف المتمردون محطة توليد الطاقة الرئيسة منذ أكثر من أسبوعين. ويجري تشكيل المجلس الثوري الانتقالي في حلب لأداء الوظائف الحكومية، حيث تمكن من تخفيف المشكلات، ولكن دون حل للنقص الحاد في الخبز الذي كان الناس يقفون في خطوط للحصول عليه لمدة تصل إلى 16 ساعة، ومازال هناك كثير من الطوابير التي لم تعد طويلة، ولكن ذلك ليس إلا تدبيراً جزئياً لحل الأزمة، حيث توقفت المصانع والأعمال، وتكاد الوظائف تكون معدمة، وترتفع أسعار اللحوم والمنتجات لمستويات تفوق طاقة السكان الذين توقفوا عن العمل في الأشهر الماضية. وتنتشر الأمراض بين الناس الذين ضعف لديهم جهازهم المناعي بسبب الجوع في مدينة انهار نظامها الصحي، ويجتاح السل بعض الأحياء كما كان هناك حالات من «اللشمانيا» وهو مرض جلدي ينتقل عن طريق ذباب الرمل الذي يتكاثر وسط أكوام النفايات. وارتفع عدد المرضى في عيادة صغيرة في مركز تسوق مهجور إلى نحو 150 مريضاً في اليوم الواحد، وقال الطبيب «عزت المزياد»: «الكثير منهم لا يأتون بإصابات من الحرب ولكن بأمراض معدية تناقلوها فيما بينهم»، كما ذكر أنه يتم جلب اثنين أو ثلاثة أشخاص يومياً نتيجة السقوط في طوابير الخبز الطويلة. ويلوم بعض من المدنيين الجيش السوري الحر على بدء حرب لم يستطيعوا إنهاءها، ولكن الكثيرين مثل «عوف» يلومون المتمردين والحكومة على حد سواء، ويقول الأخير «نحن مدنيون علقنا بين المتمردين والحكومة، ويستخدموننا مثل الحطب على النار». وحتى أشد أنصار الثورة بدأوا في اليأس منها، «أمل» معلمة في الخامسة والثلاثين انضمت هي وزوجها للاحتجاجات المبكرة، ثم انضم زوجها للجيش السوري الحر، حيث قُتِلَ، وتم قصف منزلها في المدينة القديمة من قِبَل المدفعيات ثم انتقلت إلى منزل والديها مع أبنائها الخمسة. وقالت أمل «كانت الثورة هي الحل الصحيح ولكن توقيتها كان خاطئاً»، وأضافت: «أخيراً سيسقط النظام، ولكن بعد وقت طويل جداً».