على الرغم من الانتقادات التي تنهال على مؤسسات العمل الخيري والاجتماعي والجهة المشرفة عليها ممثلة في وزارة الشؤون الاجتماعية من خلال ما يتناوله إعلامنا من إشكالات داخل هياكل تلك المؤسسات التنظيمية ونظمها ولوائحها التي تجاوزت عمرها الافتراضي بعشرات السنين ولم تعد صالحة حتى وإن تم (ترقيعها) ببعض الإصلاحات على استحياء لمسايرة احتياجات هذا العصر ومتطلبات الإدارة الحديثة والمستفيدين من تلك الخدمات، فإن تلك الانتقادات رغم جهود الرجل الخلوق يوسف العثيمين وزير الشؤون الاجتماعية خلال السنوات الخمس الماضية لم تظهر من فراغ، فبلا شك أن هناك إشكالات كثيرة تواجه وزارة الشؤون الاجتماعية إلا أن العامل المشترك لتلك الإشكالات هو قدم أنظمة ولوائح تلك الوزارة التي أنشئت بعد قيام عديد من الجمعيات الخيرية ذاتها والتي بدورها أصبحت حجر عثرة لمؤسسات العمل الخيري والاجتماعي بالمملكة في تقديم خدماتها وتطوير آليات عملها، بل أصبحت تلك اللوائح التي كان آخر تحسين وتطوير لها عام 1410 مهدداً حقيقياً في إغلاق تلك المؤسسات والجمعيات خاصة الحديثة منها. وبعيداً عما يحدث داخل بعض دور المعاقين من مخالفات وعنف تبرزه صحفنا الورقية والإلكترونية بين وقت وآخر وعطايا الضمان الاجتماعي الشحيحة التي لا تسمن ولا تغني مستفيديه من جوع وحاجة، وضعف الخدمات المقدمة للمسنين، وعدم وجود آليات شفافة ومنتظمة لنقل موظفي الوزارة الراغبين في النقل بين مناطق المملكة أسوة بقطاع التعليم، تظل إشكالية موظفي وفرق عمل الجمعيات والمؤسسات الخيرية هي الحدث المسكوت عنه دائماً، فأولئك الموظفين الذين لا يزيد عددهم على عشرة آلاف موظف يعملون في 622 جمعية خيرية يقدمون المال والخدمات الإرشادية والاجتماعية والمناصرة والمؤازرة للمحتاجين من الفقراء والأيتام والمطلقات والمعلقات وأسر السجناء والأرامل والمساكين والعجزة، هم في أمس الحاجة إلى الاستقرار المالي والنفسي والتقدير الوظيفي خاصة إذا علمنا أنهم يعملون بعقود سنوية ومهددين بالفصل وعدم التجديد في أي وقت. أولئك الكادحون رغم رواتبهم الضئيلة التي لا تعترف بها البنوك أو شركات تأجير وبيع السيارات والعقارات والمؤسسات المقدمة لخدمة التقسيط لا تشملهم أي بدلات أو استحقاقات غلاء المعيشة أو التأمين الطبي أو سلم معتمد لزيادة الرواتب السنوية حتى وإن خدم أحدهم أكثر من ثلاثين عاماً رغم تنوع أعمالهم المكتبية والميدانية التي يتلمس من خلالها حاجة الفقراء والسعي لتأمين احتياج الأسر ذات الدخل المعدوم والمتدني.ذلك التنوع الوظيفي لمهام تلك الفئة المهمشة التي تعمل ليلاً ونهاراً تحت وطأة الظروف المناخية والأمنية في البحث الميداني ليس لها نصيب من القرارات الرسمية التي صدرت وكان الهدف منها زيادة الدخل المالي لموظفي الدولة لينعموا بحياة أفضل تحقق نوعاً من التوازن مع الغلاء المعيشي الذي أصاب عالمنا، ولن يكون لها نصيب أيضا في القرارات القادمة ما لم تتدخل وزارة الشؤون الاجتماعية بكامل ثقلها وتتبنى تلك الفئة العاملة التي تستحق الدعم والتقدير (لترسيمهم) في أعمالهم داخل الجمعيات الخيرية ومؤسسات العمل الخيري كزملائهم من موظفي الدولة كما حدث مع موظفي لجان التنمية الاجتماعية. إن ترك تلك الفئة الكادحة رغم الأعمال الجليلة التي يقدمونها لخدمة المجتمع دون مناصرة لاحتياجاتهم الوظيفية والإنسانية لا يليق بوزارة تعمل في تنمية الإنسان وسد احتياجاته، فليس من المنصف أن يتركوا بناء على (تساهيل) ميزانيات الجمعيات الخيرية التي أصبح همها الأكبر توفير مرتبات موظفيها في ظل ضعف الموارد المالية لها والتي أصابتها في مقتل بعد أحداث 11 سبتمبر ولا تزال قابعة على مسيرة ذلك القطاع حتى يومنا هذا والذي نتج عنه تضييق واسع لموارد جمعياتنا الخيرية دون التفكير بإيجاد بدائل من الجهة المشرفة عليها التي فضلت تطبيق مبدأ المنع والمحاسبة. إن وزارة الشؤون الاجتماعية والخدمة المدنية مطالبتان بإنهاء أزمة موظفي الجمعيات والمؤسسات الخيرية والاجتماعية وإدراجهم كموظفين رسميين تنطبق عليهم آليات ومميزات السلم الوظيفي العام للدولة من خلال رواتب تدفع من ميزانية الشؤون الاجتماعية والتي تعد من أضخم الميزانيات (68.5 مليار ريال) ولن يضيرها صرف بضعة آلاف ضمن نظام وآليات توظيف تعتمد من الوزارة ذاتها، فهم بحاجة إلى مد يد العون والمساعدة بل إن بعضهم أحوج من المسجلين في الجمعيات ومؤسسات القطاع الخيري التي بدورها تعاني في ظل ظروفها المالية من عدم وجود الموظف الكفؤ والمؤهل وعدم استقرار العامل السعودي في أعمالهم الوظيفية والذي بدوره يؤثر سلباً على خدماتها المقدمة لفئاتها المستهدفة من ذوي الدخل المعدوم والمحدود.