الدمام – الشرق كلاريسا وورد التقيت باسل عيسى للمرة الأولى في فبراير 2012، في ذلك الوقت، كان يقود مجموعة من المقاتلين المتمردين الذين أطلقوا على أنفسهم «الجيش السوري الحر». وفي الواقع، كانوا يبدون كميليشيا محلية أكثر من كونهم جيشا، معظمهم كانوا من المزارعين أو العمال العاديين، مجموعة استثنائية من الرجال قرروا التعاون معا والكفاح من أجل الحرية في سوريا. كنت والمنتج بن بلسر دخلنا بصورة غير قانونية من تركيا إلى مدينة إدلب في شمال سوريا، لنعيش لمدة أسبوع مع هؤلاء الرجال وعائلاتهم. ولفت باسل انتباهي على الفور، ليس لأنه كان قائد المجموعة، ولكن لأنه كان هادئا ومفكرا وبعيدا عن التبجح الذي يرافق عادةً زعماء المتمردين. كان واقفا بجسده الهزيل يحمل لاسلكيا في يده ويدخن سيجارة بعد أخرى متحدثا عن كل ما يحدث حوله. تابعنا باسل ورجاله في معركة مع قوات الأسد، وأدركت حينها أنهم كانوا غير مستعدين، كانوا يملكون جهاز اتصال واحد وبنادق فريدة بدائية من نوع « AK-47» والقليل من القنابل اليدوية. ذهبنا بعد المعركة إلى المستشفى ووقف باسل عاجزا وهو يسمع الأطباء يلعنون موت أعضاء مجموعته واحدا تلو الآخر، توفي أربعة منهم في ذلك اليوم. وتردد في الغرفة عويل المقاتلين مختلطا مع بكاء أفراد الأسر المكلومة. بعد يومين، غادرت أنا وبن بلسر وعدت إلى تركيا، كانت هناك تقارير تفيد بأن دبابات الرئيس بشار الأسد تضيق الخناق على إدلب وأن هناك هجوما وشيكا قادما. رأيت باسل عيسى بعدها في يونيو عندما دخلت منزلا في معرة النعمان قرب إدلب، قادني خارج المدينة إلى مزرعة حيث كان ورجاله يعيشون، روى لي قصصا كثيرة عن مآثر عسكرية ونحن نسير على طول الطريق المتربة، وأضاف أنه بعد هجوم الحكومة على إدلب اضطر هو ورجاله إلى مغادرة مدينتهم وترك عائلاتهم خلفهم. كان ورجاله أعادوا تسمية أنفسهم أصبحوا «لواء شهداء إدلب» وكان لديهم أسلحة أكثر من السابق، ورغم ذلك اشتكى باسل من ارتفاع أسعار الرصاص وعدم وجود دعم من الغرب. كنا في شهر رمضان، وكان الرجال صائمين متعبين، ولكن كان هناك جو من الإثارة تكاد تشعر به في الهواء، يحوم مع شائعات حول هجوم وشيك للثوار على حلب المدينة الرئيسة في شمال سوريا. كان باسل يتطلع إلى قيادة رجاله في المعركة، وفي نهاية الزيارة، أعطيته كيسا من الحلوى والهدايا الصغيرة لإعطائها لعائلته للاحتفال بالعيد الذي يصادف نهاية شهر رمضان، أشرق وجهه بابتسامة واسعة وقال لي: وداعا. رأيت باسل آخر مرة في أكتوبر عندما كنت عائدا مع صديقي بن بلسر من حلب نحو تركيا عند معبر باب الهوى على الحدود، سمعنا صرخة متحمسة من إحدى السيارات «بن بن» ونظرنا فإذا هو باسل عيسى. قفز من الشاحنة التي كان يستقلها، وقفت معه وحيينا بعضنا وكان متفائلا جدا، قال لنا «نثق بأن النظام سيسقط قريبا ونتطلع إلى استعادة إدلب»، كنت أحمل بالمصادفة حقيبة صغيرة من الهدايا أعطيتها له وقلت أوصلها لأولادك، ودعنا وقال «الله معاك»، قلت له: «الله معكم». في نوفمبر 2012، علمت أن باسل قُتِلَ في غارة جوية مع مقاتليه خلال معركة في بلدة الحريم، بالقرب من الحدود التركية. صدمني الخبر كثيرا، كنت أعرف دائما أنه قد يُقتَل، ولكن رغم ذلك هزني الخبر، كان باسل رجلا لائقا، متواضعا، لديه حس فكاهة جميل، كان شجاعا وسخيا وكان لديه قلب كبير. باسل واحد من 40 ألف شخص تقول المعارضة إنهم قُتِلُوا خلال المعارك، ويبدو أن الحرب الدائرة في سوريا سوف تستمر في حصد الأرواح خلال العام 2013.