هناك رأي عام متفاعل يذهب بدلالة تقرير مجلة Science الأمريكية إلى الطعن في كفاءة الجامعات السعودية والأكاديمي السعودي، فالتقرير -بالمختصر- اتهام للجامعات المذكورة فيه بشراء السمعة العلمية لها ولمنسوبيها بالمال! وهذه دلالة تزداد مرارة بتلاقيها الأليم مع صورة نمطية، جرى تضخيمها وترويجها عن العربي النفطي الشهواني الجاهل المتبطّل! التقرير -هكذا- يُبْطِل عملياً التصنيف العالي الذي حصلت عليه الجامعات السعودية مؤخَّراً على مقياسي: ويبمتريكس الإسباني، وشنقهاي الصيني، فيردها إلى المكانة المتواضعة التي أثارت الضجة عام 2006 حين تداولت وسائل الإعلام نتائج تدني مستواها، وغدت حينها وزارة التعليم العالي والجامعات موضع إدانة الصحافة والكتَّاب. لقد بدأت أبرز الجامعات -منذ تلك اللحظة- العمل على تحسين مستوياتها في التصنيف، وهذا مطلوب طبعاً، لكنها كانت مخطئة من جهتين: الأولى أن جهدها هنا هو رد فعل لاتهامها، وليس موقفاً موضوعياً وعقلانياً أميناً، فانحصر هدفها في رفع مستوى تصنيفها، وغدت المهمة أشبه بالمجاهَدَة على امتلاك سلاح إعلامي ودعائي، بعيداً عن جوهر المشكلة وهو التقدم الأكاديمي الحقيقي. والثانية، أنها غفلت عن إحداث وعي مضاد لهجمة الصحف عليها بأن المشكلة لا تنحصر فيها معزولة عن سياق الواقع الثقافي الاجتماعي الذي ينتظمها. هل سأل أحدنا ذاته: لماذا لا يأتي -فعلياً- هؤلاء الأساتذة المتميّزون الذين تعاقدت الجامعات معهم من أمريكا وكندا وبريطانيا... إلخ؟ لو كانوا يأتون لما كان لتقرير المجلة أية دلالة صادقة على ممارسة الجامعات السعودية البرستيج والتزييف وشراء السمعة. هل من الصعوبة بمكان أن تستقدم جامعاتنا أساتذة من جامعات مرموقة عالمياً؟! الإجابة -للأسف- بالإيجاب، وأستشهد هنا بما حدّثنا به -قبل نحو ثلاث سنوات- رئيس قسم اللغة الإنجليزية، في كلية الآداب بجامعة الملك سعود، وكنا في اجتماع لجنة للدراسات العليا؛ فقد كان يشكو عجزه عن التعاقد مع أساتذة أمريكان وإنجليز، على الرغم من الترحيب والتسهيلات الرسمية وأن الجامعة لم تقصِّر في اعتماد استثناءات مالية مغرية لهم. صعوبة التعاقد هذه -كما أتصور- هي في أقوى أسبابها نتاج المعركة الشرسة للتطرف وإفرازات الإرهاب، وما خلقته من توتر أمني وشعور متزايد بالانغلاق والتعصب. لكن هذا -بالطبع- لا يفسِّر عجز جامعاتنا عن الارتقاء الذاتي بكوادرها ومعاملها وبرامجها، وهنا يبدو جانب آخر من مشكلة جامعاتنا، فقد أحالها مجتمعنا إلى مدارس عامة، ذلك أن أكثر من 90% من خريجي الثانوية يتقدمون إلى الجامعات ثم اللَّوم كل اللَّوم عليها حين تعجز عن استيعابهم، وهذه نسبة لا نجدها في بريطانيا ولا غيرها من الدول المتقدمة جامعياً، وهي نتيجة مضادة لمعاني الامتياز وابتذال لها. أما جانب الضغط الاجتماعي الثقافي الآخر فهو تضاؤل قيمة البحث بمعانيه العلمية الحديثة، وبهذا تزايدت الوظيفة البيداغوجية للجامعات، وأصبحت تُعِدُّ مخرجاتها للتدريس أكثر من أن تُعِدُّهم للبحث والإنتاج المعرفي.