نعالج في هذا الموضوع «قضية زواج القاصرات»، والقاصر من الناحية النفسية هو الشخص الذي مازال في سن الطفولة والمحدد بأقل من 18 سنة، ولأن تركيزنا في الموضوع على زواج القاصر نعتبرها هي الفتاة ما دون سن 18 سنة، وليس موضوعنا الاختلافات الحاصلة حول تحديد سن الزواج، وسنتحدث عن الأضرار التي تترتب على هذا النوع من الزيجات من الناحية النفسية والأسرية والاجتماعية، وإذا كان البعض تقتصر رؤيته على أن الزواج موضوع علاقة جنسية؛ ولهذا تكون نظرته قاصرة على النضج والبلوغ الجسمي، لأن بعض الفتيات يبلغن قبل سن 18سنة، نوضح هنا مشكلات تتعلق بالمفهوم الحقيقي للزواج كعملية تتطلب التوافق بين الطرفين وتتطلب الكفاءة الجسمية والنفسية والعقلية والقدرة على القيام بمهمة من أصعب المهام وهي تربية الأطفال وتنشئتهم ومواجهة ضغوط الحياة وضغوط الحياة الزوجية، وهذا بكل الأحوال لا يتوفر لفتاة في سن أقل من 18سنة التي لازالت في سن الطفولة وتتسم بسمات وخصائص شخصية وعقلية لا تؤهلها لهذه المهمة. وزواج القاصر يتعدى ضرره الفتاة للأسرة التي هي نواة المجتمع. العوامل المساعدة على نشوء الظاهرة * الإرث الثقافي والاجتماعي: ينتشر زواج القاصرات في المجتمعات التي لديها إرث ثقافي سلبي ونظرة سلبية للمرأة وأهميتها وأدوارها، وتتحول الفتيات في بعض المجتمعات كنوع من الهدايا أو الهبات، كما أن المرأة في بعض المجتمعات لا تملك قرارا ولا تستطيع تقرير مصيرها. والبعض يعتبر البنات حملا ثقيلا يجب التخلص منه. * الفقر والأمية غالبا ما تنتشر هذه الزيجات في الأسر ذات المستوى الاجتماعي الأقل مادياً، وينتشر في الهجر والبادية والمجتمعات الريفية التي يكون فيها مستوى الأمية عالياً. * الطمع في الحصول على مكافأة مالية ليس الفقير وحده من يسعى للحصول على المال، حتى أن بعض الآباء يزوج ابنته الصغيرة في السن لأحد التجار أو لأحد من أصحاب المراكز المالية والاجتماعية في مقابل الحصول على مقابل مادي كبير. ضعف الوعي بحقوق الإنسان بشكل عام وحقوق الطفل بشكل خاص. * مضطربو الشخصية والميول الغريبة بعض الرجال خصوصا من كبار السن لديه اضطرابات ونزعات وخصائص نفسية وعقلية تدفعه للزواج من صغار السن. * الأضرار النفسية والاجتماعية تعريضها لخبرات الفشل والإحباط : الزوجة القاصر أكثر عرضة للفشل نظرا لعدم اكتمال النضج النفسي والعقلي. وهي غير مؤهلة للتجربة، وهذا ينعكس على نجاحها في تكوين أسرة كما ينعكس على تقديرها لذاتها. دخول الفتاة في هذه السن للزواج يفوت عليها فرص تحقيقها لذاتها مثل التعليم واكتساب خبرات حياتية تؤهلها لأن تكون أماًّ ومربية وزوجة ناجحة. إقحامها في مسؤوليات لا تناسب سن الطفولة يفوت فرصة النمو العاطفي السوي. واكتمال مرحلة الطفولة، خصوصا الخصائص الإدراكية التي تعتبر لازالت مشوشة في هذه السن. الفتاة القاصر أكثر عرضة للأمراض النفسية نتيجة الضغوط الزوجية والحياتية المرتبطة بالزواج . القاصر أكثر عرضة لاكتئاب ما بعد الولادة أكثر من غيرها. بعض الفتيات تصاب بالخوف من تجربة جديدة ليست مهيأة لها، ومنها الخوف من العلاقات الجنسية. زواج القاصرات أكثر عرضة للفشل، وبالتالي نحن أمام حالات طلاق لفتيات في مقتبل العمر، وما يترتب على هذا الطلاق من ضرر للفتاة وللأسرة والمجتمع. فهي مشكلات زواج تتعدى الزوجة وتمتد للأطفال والأسرة. الأم القاصر والمشكلات الصحية مشكلات تتعلق بها شخصيا ومشكلات تتعلق بالأطفال وبالحمل أو حتى بالعلاقات الجنسية. مثل حالات النزيف والإجهاض. * الأم القاصر وانعدام الكفاءة التربوية تفتقد القاصر إذا ما تزوجت وأنجبت للكفاءة التربوية، وقد تفتقد لأبجديات التعامل مع أطفالها ورعايتهم، فهي في هذه السن لا تملك أبجديات الرعاية الصحية والاهتمام، ولا تعي الأساليب التربوية في التعامل والتواصل وتوجيه الأبناء، وتفتقد للخصائص التي تتطلبها تربية الأبناء؛ الصبر والحكمة والهدوء والتصرف مع الأبناء في المواقف الحرجة، وعادة ما تتصف الفتاة في هذه السن بخصائص الشخصية الطفلية، ومنها الانفعال السريع والاندفاعية في القرارات والتصرفات، وكل هذه السمات تنعكس على الأبناء وتفوِّت عليهم نموا سليما وبناء شخصية سوية. * القاصر وانعدام تحمل الضغوط الأسرية ترتبط بالزواج عديد من الضغوط، وهذه تختلف حسب الظروف المحيطة و حسب ضغوط الحياة بشكل عام، كما تتداخل ضغوط العمل مع الضغوط الأسرية ويصبح الزوجان بحالة من الإحباط، نظرا لانعدام النظرة الواقعية، لأن من الخصائص العقلية للأطفال تحت سن 18سنة أنهم يتميزون بالخيال والأحلام غير الواقعية، ونظرا لانعدام الخبرة والكفاءة النفسية قد تفشل عند أبسط تجربة، كما أنها لا تعرف أدوارها تجاه الضغوط التي تواجه الأسرة مثل مساندة الزوج في الأزمات. * زواج القاصر من رجل كبير يضاعف المشكلة: إضافة إلى المشكلات السابقة التي ذكرناها سابقا تظهر مشكلات زواجية متعلقة بحالة زواج القاصر من شخص يكبرها في السن وخصوصا إذا كان الفارق كبيرا، ومنها المشكلات العاطفية والجنسية التي تعتبر أهم أسس التوافق الزواجي، وهذا ما قد ينعكس على علاقة الزوجين ببعضهما. وفي هذه الحالة أيضاً يكون مستوى الاتصال غير صحيح، وعادة ما يكون الاتصال رأسيا وليس أفقيا، من الأعلى الزوج إلى الأسفل الزوجة، فإما أن يعاملها بالسلطة وينظر لها نظرة دونية، أنها لا تعي شيئا ومازالت طفلة، ولهذا لن يشاركها في القرارات ولن يأخذ رأيها ويصبح الزواج فاقدا لواحد من أهم عناصره الأساسية وهو المشاركة، وهذا ما ينعكس على مفاقمة المشكلة من حيث إحساسها بالدونية وعدم الأهمية، مما تتحول معه علاقة الأم بأطفالها إلى علاقة غير صحية، كالمبالغة في رعايتهم والاهتمام بهم كنوع من التعويض عن النقص، أوتكون التنشئة قاسية نتيجة للحالة الانفعالية التي تعيشها ويصبح الأطفال هنا ضحية الجو الأسري غير السوي. وغالبا ما تصاب الزوجة في الحالات بالأمراض النفسية وخصوصا الاكتئاب.