هل نحن لا نُجيد ثقافة التسامح ؟! أم أن الظروف المحيطة بنا تجعلنا لا (نعترف) بهذه الثقافة؟!بالطبع ضغوط الحياة عديدة، واحتياجات الأسرة متنوعة! بعضهم (مديون) للبنوك، وبعضهم الآخر (متوتر) من مرض عضال، وبعضهم (مقهور) لأنه لم يحصل على ترقية مُستحقة له، أو أن مُديرَهُ في العمل (مُتفرعن) ولا يلتفت إلى إخلاصه في العمل ووفائه للمؤسسة. وبعضهم (مُحبَط) من واقع اجتماعي أو طلاق أو عنوسة! وبعضهم (يائس) من تطوير وضعه الاجتماعي لأنه لم يُكمل دراسته، ولا يحظى بقبول اجتماعي أو وظيفي. وهكذا تتنوع (المنغصات) على الإنسان ما يجعله لا يؤمن بثقافة التسامح. وهذا ما نشهدهُ في الشوارع، عندما يتجاوز بعضُهم السرعة المُقررة، أو عندما يخالف أصولَ الوقوف عند الإشارة أو الدوار، أو عندما يتخطّى حقه في الطريق ويتجاوز الخط المُحدد له، ويميل على السائق الآخر ما يُمكن أن يتسبب في حادث مروّع، فيقوم السائق الآخر بالميل ذاته نحوه، وهكذا تبدأ (المطاردات). نفس المثال نجده في محيط العمل، حيث تسيطر حالة (الإحباط) على بعضهم فلا يجد في المسؤول إلا الجانبَ السلبي، ويتناسى كل إيجابياته. كما يتجاهل ظروف الإدارة أو ال (System) المعمول به في المؤسسة. فلا يُعطي للمسؤول عذراً إن لم يحقق له ما يريده.اجتماعياً، نجد تجاهل ثقافة التسامح بين الزوجين عندما يبدأ كل منهما ب (التلصص) على الآخر أو اصطياد أخطائه! ويقوم كل طرف ب (الانتقام) بالبحث عن الأخطاء الكبرى والصغرى أو اللجوء إلى (التاريخ) فيتحول المنزل إلى ساحة عراك، قد يكون الأولاد ومستقبلهم أهم ضحاياها. تغيب ثقافة التسامح في عقاب بعضهم (الشرس) للأطفال عندما يخطئون! صحيح إن (الدلال) لا تجوز المبالغة فيه، ولكن (العنف) أيضاً ليس محموداً في تربية الطفل، مهما حاولنا جعل الطفل مستقيماً وهادئاً وعاقلاً، لأن للطفولة استحقاقاتها وزمنها.تغيب ثقافة التسامح في المجال الثقافي أيضاً! فنجد النقد (اللاذع) غير الودي ضد أي مبدع. ونجد (فرزاً) شخصانياً ضد بعضهم دون فرز الأعمال الإبداعية. فنجد (تركيزاً) واضحاً على أعمال متواضعة، و(تجاهلاً) بائناً لأعمال ناضجة وقوية. وبالتالي (يتَخلق) تاريخٌ ( مُزّور) للحركة الثقافية في أي بلد! وتضيع الحقوق وتكثر (المزايدات) وحالات (التملق) للمسؤول، لأن مثل هذا النشر الثقافي لا يخالف القانون ولا يُعاقب عليه صاحبه؛ إن لم يمتلك ضميراً حياً وصادقاً يحول دون ارتكابه لمثل هذه المخالفة. نحن في العالم العربي، ونظراً للضغوط المتعددة، وحالات الإحباط أحياناً، تتضخم لدينا (الأنا)، ونصبح عاجزين عن الخروج من نفق المجاملة أو العداء! وبذلك نفتقد مساحة (التوازن) اللازمة للحكم على الأشياء والمواقف والشخصيات. ويعزز من هذا الاتجاه ابتعادنا عن العقلانية (البراجماتية) في التعامل مع الآخرين. ونكون (متطرفين) في حبنا، و(متطرفين) في كرهنا! إنَّ تسامحَ الإنسان مع نفسه أولاً من خير الأمور التي تعينه على التسامح مع الآخرين، وتقدير ظروفهم التي ألجأتهم إلى الخطأ أو التعدي على حقوق الآخرين! بالطبع لا نعني هنا الجريمة أو الحقوق المادية، بل نعني السلوك الذي يخالف السوية ويتعارض مع (إتيكيت) الحياة وضرورات المجتمع.نحن نجامل، نعم! وقد نبالغ في مجاملاتنا، وهذا ليس عيباً، لكن العيب أن نبالغ في (عدائنا) للآخر! ونكوّن عنه أفكاراً (مسبّقة) -غالباً ما تكون سلبية- بسبب اسمه أو وضعه الاجتماعي أو رأيه، وبالتالي لا نراهُ إلا من خلال (عين السُخط)، ولا نرى في كأسه إلا الجانب الفارغ.إن التروي والصبر في المواقف المثيرة قد يكون من ضرورات الحكم! بل ومن أسباب تقليل ردّة الفعل الغاضبة! فأنت عندما تقرأ مقالاً فيه (تقريع) كبير لك، تغضب بعد القراءة الأولى، وتتحمس كي تردَّ في نفس اللحظة! ولكن عندما تهدأ وتقرأ المقال في اليوم التالي تقول: هذا رأي! والناس أحرار فيما يكتبون، وأفضل شيء إهمال الموضوع وعدم إعطائه أية أهمية! وهكذا لا تدخل في خصومة أو (سجال) عديم الجدوى مع الآخرين الذين قد يكونون (فهموك) خطأً، وتسرّعوا بالردّ دون أن تكون لديهم ثقافة التسامح. وبذلك تترك الحُكم للقارئ على آرائك وآراء الآخرين. ولكن إن كان الأمر يستدعي الوصول إلى القضاء، فذلك أمر آخر.ثقافة التسامح مهمة في حياتنا، وهي (تُعدّل) ميزانَ أحكامنا، وتجعلنا أقرب للاعتدال والنضج وحب الآخرين، أو على الأقل عدم (ازدرائهم).