الذين حكموا العراق منذ انقلاب 1958م وحتى اليوم، هم من أدخلوه في نزاع طويل داخل تركيبته السكانية، ثم العداء للجيران من عرب وغيرهم من الأجناس الأخرى، وفي خضم هذه الزحمة من شعارات قومية، وشيوعية، ثم طائفية، أصبح القتل على هذه الهويات قدَراً فرضه الساسة في حين كان العراق ما قبل الانقلابات أقوى قوة اقتصادية في المنطقة كلها، وسط تآلف لا يُعرف فيه فرز لنوع وجنس وديانة.. الأكراد هم من نالوا نصيب الوحوش بإنكار هويتهم القومية، وتغييب تاريخهم، وقد ناضلوا، وتحالفوا مع من يرفع شعار حقوقهم، وللأسف فإن الحكومات التي ناصبتهم العداء ظلت بلا تسامح بل جعلت شعار القومية العربية فوق الجميع، وهو ذنب اقترفه الساسة لأن العراق عاش بكل تنوعاته يكتب ويوثّق ويتعاقد ويعلّم بالعربية، ولم يكن هناك اعتراض أمام تساوي الحقوق، والتصاهر، والشعور بوطن للجميع لا فروق فيه بالوظائف المدنية والعسكرية، ولا حق المواطنة، لكن ما بعد التعايش الطبيعي، ولدت في رحم الديكتاتوريات التقسيمات الجغرافية والمذهبية والقومية، وهي نتاج ظروف لاتزال تتفجر في كل أنحاء العراق.. لقد أُطلق على قطاع الوسط من العراق العرب السنّة، وهي تسمية خالية من القيمة القانونية، لأن الأغلبية، باستثناء الشمال الكردي، عرب بالأكثرية سنّة وشيعة بل كان شعار القبيلة في أزمنة مضت أقوى من المذهب، لكنه في زمن الديموقراطية، إن صح هذا التوصيف، بدا الشيعة وكأنهم غير عرب، ثم جاءت أزمة كركوك الراهنة بتهديد العائلات العربية بالطرد لأنهم لاجئون شردتهم حروب المذاهب والمليشيات التابعة لها، لكن من الخطأ أن يجري التهجير فقط تحسباً لإحصائيات تجعل الأكراد في الموصل وكركوك أغلبية لضمهما للإقليم أو القطاع، لأن الاحترام الذي يحظون به من الجميع، ربما يبرز نقيضه، وكلّ إنسان عقلاني لا يريد أن تبرز العصبية القومية لتصل إلى الترحيل القسري، وحتى في وضع العرب الذين أُعطوا هذه التسمية مع فرضية طائفية سنية، ليست حقيقة، وبدون شك فإن الأكراد الذين تعرضوا للتصفيات والحروب والتهجير، لا يمكن أن تُعزى مآسيهم للعروبة أو جذورها، وإلا كيف تم التعايش قروناً طويلة، بل وناضل الجميع ضد الاستعمار وتحرير الوطن من دون هذا الفرز؟ العروبة ليست تهمة، ومن يعتقد ذلك يصادق على تهمة أخرى تتصل بهويته ، وليس هذا منطقاً شوفينياً، بل هو واقع جغرافي وديموغرافي، لأن العرب وجدوا في العراق قبل النبوة مثلهم مثل كل التنوعات التي سكنته، بادَ بعضها، أو تعرّب، والقضية ليس من له الحق أن يستقل ويبعد إذا كان العراق وطن الجميع، وإلا سينفتح العراق على نيران لا يحتاج إليها طالما تدمره الحرائق من أصحاب الانتماءات والرغبات الشخصية أو المدفوعة من أطراف أجنبية..