في المجتمعات الخليجية يمكنك أن تلحظ قرب الدعاة والوعاظ من الناس في محيطهم. في المقابل ثمة فجوة كبيرة بين المثقف المختلف ومجتمعه. وهكذا يصبح بديهياً أن يكون الواعظ أكثر تأثيراً على مجتمعه من مثقف سجن نفسه في وهم “النخبوية”! المثقف الذي لا يتحدث إلاّ لمن في دائرته ممن يحملون ذات الفكر كمن يتحدث فقط مع نفسه. بعد حين، يكتشف أن جماهيريته ضعيفة جداً وربما أن المجتمع -في الغالب- يتوجس منه لأنه لم ينزل من برجه العاجي إلى واقع مجتمعه. كثيراً ما قلنا -وأنا واحد ممن قال بذلك- إن المجتمع مختطف من أهل فكر واحد. هذا خطأ، الحقيقة أن المجتمع يتفاعل مع من يخاطبه ويقترب من همومه. وهكذا نحن مع فئتين من صناع الخطاب في مجتمعنا: واحدة هي الأقرب للناس لأنها تعيش وسطهم، تخاطبهم بلغتهم وتتواصل مباشرة معهم وعلى كل المستويات، وأخرى غارقة في وهم “النخبوية”، تخاطب المجتمع من وراء حجاب عبر مقالات الصحف وبرامج التلفزيون دون أن تنزل عملياً إلى الميدان. المثقف المؤثر (بغض النظر عن توجهه الفكري) هو الذي يقترب من الناس ويبتعد عن وهم فهم قضايا المجتمع من بعيد، عبر النظريات الأكاديمية والبحوث التي أنتجت في مجتمعات بعيدة. أما إن أراد المثقف أن يعيش في صومعته الفكرية، في جامعته أو مع دائرته الخاصة، فهذا شأنه ما دام لا يشتكي من قطيعة المجتمع أو من أن أصحاب الفكر الآخر اختطفوا مجتمعه. المجتمع أذكى من أن تختطفه فكرة واحدة وأكبر من أن يختزل في رأي واحد. إنه حتماً يتفاعل مع من يتفاعل معه، من داخله، ويحترم من لا يشعره بفوقية الثقافة أو بعدها عن هموم الناس وتحديات الحياة.