كثرت الحوارات بين الناس، على مدى ساعات الليل والنهار دون انقطاع، بفضل مواقع التواصل الاجتماعي، فاختلط الغث بالسمين، ما بين كلمات يندى لها الجبين، وأخرى حق مبين.. وبينها يبقى القرآنُ العظيم مرجعاً في الارتقاء بلغة الحوار التي جعلها الله تعالى أحد أسس تبليغ الأنبياء رسالات ربهم. تلاحظون أنّ مُعظم حواراتنا تتخللها أهواؤنا، أي تتغلب عليها النفس، فتتحكم في لغتها.. لكن قبل ذلك علينا أن نتنبه إلى مفهومين أشار إليهما القرآن العظيم، هما: (جدل- حوار) والجدل له دلالة نفسية تشير إلى شدة التنازع والخصومة، وفي الحديث الشريف: “ما أوتي الجدل قومٌ إلا ضلوا”، بينما الحوار يتصف بالهدوء والتقارب والاتزان.. ولذلك حينما جاءت امرأة تجادل الرسول صلى الله عليه وسلم في زوجها، قال الله تعالى: “قد سَمِعَ اللهُ قولَ التي تُجَادِلُكَ في زوجها”، وحينما رد عليها الرسول بلغة الحوار، قال تعالى: “واللهُ يسمَعُ تحاوُرَكُما” ولم يقل (جدالكما) أي أنّ الرُّسُلَ تتخذ من الحوار لغةً، فإن كان ولابد من الجدل، فيكون بالحسنى.. قال تعالى: “وجادلهُم بالتي هي أحسن”، والحُسْنُ يعني الرفق الذي لايكون في شيءٍ إلا زانَهُ، ولايُنزعُ من شيءٍ إلا شانَه. إذن نلاحظ أن الفرق بين الجدل والحوار، هو: أن الحوارَ حَسَنٌ في ذاته، فلاينبغي للنفس أن تحوله إلى مشاعرَ جدلٍ وغضبٍ وتعصبٍ لإشباعِ هوى النفس، لا لاتباعِ نصرة الحق. ولذلك نجد أن قوم نوح- عليه السلام- لم يكونوا ليحاوروه، بل كانوا يستحيلون حواره معهم إلى جدل.. قال تعالى: “قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا”. أحياناً يقفزُ الإنسانُ فوق قناعته بأحقية الصواب، متخذاً من الخطأ مقصداً يدافع عنه وهو يعلم أنه على خطأ.