ينشغل المسؤول بتفحص معاملتك طويلاً، لكأنه يقرأ حظك، متتبعاً الأوراق والشروحات التي بُعثت لعشر جهات رسمية في رحلة يعلم الله مداها، فيما تراقب عملية التقليب بانتظار توقيع سعادته دون أن يأتي! يرفع عينيه متفحصاً وجهك، ويعود داساً وجهه في المعاملة، ولأن سعادته مصاب بالحساسية، فإن الجزيئات الغبارية تدفعه لعطسة مدوية تهزُّ أركان السكون. عندها يبادر أحد موظفيه بسحب منديل ويهرع لإنقاذه مشمّتاً إياه قبل أن ينطق “الحمد”! وكحالة ردّ لا شعورية تكتشف أنك شمَّت سعادته منذ عطسته الأولى ولم يلتفت إليك؛ لأنه يدرك بحصافته أن تشميتك إياه ليس لوجه الله تعالى، بل لاستمالته كي ينهي معاناتك المزمنة! يزفر بكل قوة دافعة في رئتيه لطرد اللواصق العطاسية، ثم يسند ظهره إلى الوراء ويسألك “وش موضوعك؟!”. تبادر بشرح مضمون معاملتك بمقدمة “طال عمرك”، ليرن هاتف سعادته، فتتملكك رغبة خفية في التطويح بهاتفه من نافذة المكتب! يومئ إليك بالسكوت ليتسنّى له الرد، وبعد إتمام مكالمته يسألك مجدداً “وين كنا؟!”. في موضوع معاملتي المراوحة مكانها منذ سنين! يعاود تصفح المعاملة ويخبرك أنها ناقصة توقيع الموظف فلان بن علان الفلاني، تقاطعه “ولكنه أحيل إلى التقاعد يا سعادتكم!”. تفاجئه إجابتك؛ فيشير للموظف -الذي يرمقك هو الآخر بنظرات الاستهجان- ويوجهه قائلاً “اكتبوا خطاباً لمؤسسة التقاعد!”، تتسع حدقتا عينيك؛ فيردف معللاً “هي الجهة المعنية بالتوقيعات المتقاعدة”، ويضيف “لاضير في إحالة معاملة المذكور للتقاعد هي الأخرى، حسب ما هو متبع!”.