إن النظر في معالجات النصوص الإسلامية لأبعاد التنظيم الاجتماعي يقودنا إلى التبين بأن المجتمع بطابعه المدني قد تشكل وفق خصائص ومنطلقات حقيقية لممارسة حرة منتظمة وفق الإرادة المجتمعية ويمكن أن نشير إلى جملة من أنماط الخصائص تلك في الأبعاد التالية: 1- سيادة العدل كقيمة عليا مقترنة بالحرية وتلك قد تشعبت في عديد من النصوص القرآنية كقول المولى عزوجل: «لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالقِسْطِ» وفي سياق آخر «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ».. 2- الإصلاح المستمر الدائم وغير محدود النطاق والذي استند لركائزية المقوم الأصيل في سياق التشكيل الاجتماعي في محاور عديدة كقول المولى: «وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ».. 3- القبول بالتعددية واستثمارها في خدمة الإنماء الاجتماعي: وذلك أصل تكاملي حقق مقتضاياته الفكر الإسلامي الذي لم يحصر إقامة مجتمع مدني على المسلمين العرب من أصل قريش وإنما دعا للتعددية والاندماج واللاموضعية في تحقيق الأصول الاجتماعية وجعل خدمة المجتمع والارتقاء الروحاني لأفراده القيمة الأعلى: «وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا» وهذا هو المفقود في واقع المجتمع الإسلامي المعاصر الذي تسوغه شاكلة تحول الاختلاف الذي هو جوهر التعددية إلى خلاف هو جوهر الأحادية فنمط على إثرها الإقصاء والتعصب والتصلب الإيديولوجي وغيرها من آفات تهتك بالنظام الاجتماعي القائم. 4- نبذ العصبية وجعل روح الإسلام الميكانزم الأساسي الذي تدور حوله التفاعلات والعمليات الاجتماعية، فالحديث الشريف «ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية»، فالرابطة الدينية التي أحلها الإسلام بمقتضيات فكر الرقي الحضاري الذي يتبلور في تجاوز روابط العصبة القبلية المؤدية إلى التنافر والتفكك وبناء مجتمع قائم على أسس المصلحة العامة والهدف الأسمى بعلاقات اجتماعية محددة المبادئ والأسس تبلورت في مقتضى الآية الكريمة: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ». 5- الحرية: والحرية أصل متأصل في الذات البشرية ورغبة فطرية حدها الإسلام بضوابط معقولة في سياقاتها الاجتماعية فعد حرية الرأي والتعبير من مناطات التوحيد في قوله «وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)»، وأوجد حرية الممارسة المضبوطة بضوابط الشرع، كذلك حق الآخر من غير النامطين في الملة الإسلامية في ممارساته وأفعاله التي لا ضرر منها ولا ضرار على كيان المجتمع الإسلامي «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ»، فالحرية مكفولة بأمر المقتضيات الإسلامية قبل أن تكون الكعكة التي تتداول في أوساط الصراع السياسي والفكري، وعلى المستوى الفردي فإن غياب الحرية مدعاة لامتهان لكرامته التي أرادها الخالق وتحجيم لمعطيات العقل المكرم الذي تميز به عن الخلائق وهذا ما نعايشه اليوم من اكتناف للحريات واختزالها الأمر الذي يهدم أصلاً إنسانياً متجذراً.