يعتقد البعض أن الطفل كالصفحة البيضاء ينقشون عليها ما يريدون، بل يتخذون من هذه المقولة أساساً للقيام بدورهم كمربين. وأتساءل: إذا كانت هذه المقولة صحيحة، فلماذا تبرز اختلافات بين الإخوة في سلوكهم وردود أفعالهم، في مواقفهم وقناعاتهم؟ في ظني أنها مقولة تفتقر إلى الدقة، إذ أنّ قيم الخير والشر تودع في الإنسان منذ بداية خلقه، وشاهدي على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلّم: “كلّ مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه”. فماذا يكون عمل تلك الفطرة إن لم تكن مؤثرة في أفعال الفرد، وموجهة لسلوكه؟ وما هي مقوماتها وخصائصها التي تحميها من الانتكاس أو الانهيار، إنْ لم تكن حزمة نورانية من طاقة ربانية، تزخر بطيوف كثيرة: صدق، إخلاص، محبة، تسامح، عدل..؟ من هنا أقول إننا لسنا المعنيين بالغراس، فقد تكفّل به الخالق جلّ شأنه، وما علينا إلاّ أن نُنقّب عنه في وجدان الطفل، ومن ثمّ نبرزه ونتعهّده بالرعاية، ونتحمل مسؤولية حمايته مما قد يعتريه من الانحسار أو الانكسار، متسلحين لبلوغ ذلك بالرفق، والصبر، والوعي الكامل بدورنا، ولتكن أولى خطواتنا في هذا السبيل أن نجعل من أنفسنا قدوةً صالحة، فنتمثّل تلك القيم خلقاً وسلوكاً، ولا ندع أنفسنا الأمّارة بالسوء تُسوِّغ لنا غير ما نأمر به أطفالنا، فإذا ما شبّوا وبدر منهم ما لا يرضينا سخطنا عليهم. وصدق الشاعر العربيّ حين قال: لا تنهَ عن خُلُق وتأتي مثله عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ