في خضم الأزمات الاقتصادية تكثر التأويلات والاقتراحات والحلول، وتبرز بينها المناكفات بين الأيديولوجيات المتصارعة، لائمةً بعضها البعض، بين موفقة في التعامل مع الأزمة ومخفقة. أصوات مؤيدي الاقتصاد الإسلامي تصبح أكثر حدّة في نقد الأنظمة الاقتصادية الأخرى عندما تتعرض الأخيرة لأزمة ما؛ الأزمة العالمية الحالية شاهدة على ذلك. فمنذ أن اندلعت هذه الأزمة أواخر العام 2008 والكثيرون يطرحون الاقتصاد الإسلامي بوصفه منقذاً، ويرون أن الحال التي تردت فيه الأنظمة غير الإسلامية كان بالإمكان تجنبها لو أن الاقتصاد كان إسلامياً. آراء أخرى ترى أن الاقتصاد الإسلامي ليس منيعاً ضد الأزمة الاقتصادية الحالية، ولكن عدم وجود دول عديدة في العالم تطبق نظاماً اقتصادياً إسلامياً متكاملاً حال دون اختبار هذه الفرضية. آراء أخرى لا ترى في النظام الاقتصادي الإسلامي نظاماً فاعلاً وقادراً على النمو حتى في أحوال الرخاء؛ كونه يقيّد عمليات الإقراض (الضرورية جداً من أجل النمو) بقيود غير عمليّة يصعب اتباعها في الدول الكبرى. لهذا الجدل شقان؛ الأول أيديولوجي يأخذ صفة دوغمائية عندما ينسب الأفضلية المطلقة للاقتصاد الإسلامي؛ لمجرد كونه إسلامياً، بغض النظر عن منهجية المقارنة وآليات التحليل، وإمكانية التطبيق والحيثيات الأخرى. الشقّ الثاني موضوعي، ينظر للاقتصاد الإسلامي بوصفه أحد النماذج التي يمكن أن تطرح حلولاً عملية مفيدة حال تطبيقها في سياقات معينة، ويحاكم الاقتصاد الإسلامي بمعايير اقتصادية وليس دينية. ولاشك أن الانخراط في الشق الأول من الجدل الذي يؤدلج النقاش الاقتصادي لا جدوى منه ما دام مؤيدوه لا يعتقدون أصلاً أن الحكومات تملك الخيار في بناء النظام الاقتصادي الذي يناسبها. فالحكومة المطبّقة للنظام الاقتصادي الإسلامي ناجحة وإن أخفقت، والحكومة التي لا تطبقه ستفشل ولو بعد حين. وجهة النظر هذه غالباً ما تطرح نفسها كحقيقة لا جدال فيها وليس كرأي قابل للنقاش؛ مما يقلص هامش النقد إلى حيثيات تطبيقية فحسب. في المقابل، فإن الانخراط في الشق الثاني من الجدل مفيدٌ بلا شك. سواءً بين الذين يرون أن النظام الاقتصادي الإسلامي شامل، وبوسعه أن يقيم وحده أوَد المجتمع، أو الذين يرون فيه عوامل منتقاة يمكن الاستفادة منها وزرعها في أصيص نظام اقتصادي آخر أكثر شمولاً. ولذلك قد تجد في هذا الجدل الموضوعي مؤيدين للاقتصاد الإسلامي من غير المسلمين، يرون فيه ملامح مفيدة في ظروف معينة. غير أن هذا التأييد من غير المسلمين كثيراً ما يستخدم في الشق الأيديولجي من الجدل على أنه انتصار على طريقة (شهد شاهد من أهلها). إن الاعتقاد بأن الاقتصاد الإسلامي هو الحل لكل مشكلات الاقتصاد العالمي الحالية يشبه الاعتقاد بأن العسل وحبّة البركة فيهما شفاء لكل أمراض البشر المعاصرة. لا أحد ينكر المنافع العلاجية للعسل وحبة البركة، وكذلك لا أحد ينكر الضوابط الوجيهة في الاقتصاد الإسلامي. ولكن تعميم الخاص على العام بدوافع عاطفية متأججة بالشعور الديني لا يوصلنا إلى حلول واقعية، وفي الحقيقة إنها تعطّل من فرص الاقتصاد الإسلامي في الاندماج في اقتصادات الدول الكبرى عندما يتم طرحه كبديل مخصص للمسلمين مثل (اللحم الحلال)، كما يحدث في بريطانيا، وليس كفلسفة اقتصادية مختلفة قابلة للانسجام مع النظم المختلفة دون أن تفرّق بين المتعاملين به من حيث دياناتهم كما يحدث في ماليزيا. قد يملك مؤيدو الاقتصاد الإسلامي حجة قوية عند مناقشة أزمة الرهن العقاري في الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي لعب الانفلات الائتماني فيها دوراً كبيراً، وكان يمكن لآليات الاقتصاد الإسلامي المتحفظة في مسائل المتاجرة بالقروض أن تجنّب الاقتصاد الأمريكي هذا المصير بعض الشيء، ولكن كان يمكن لها أيضاً أن تحرمه من مكاسب اقتصادية أخرى ما كان لها أن تحققها بنظام اقتراض غير مرن يفرض قيوداً صارمة، كالمرابحة والتورق وغيرها. كذلك، فإن أزمة عام 2011 أوروبية وليست أمريكية، وقد لا يملك الاقتصاد الإسلامي ما يمكن أن يقدمه للأوروبيين. فأزمة اليونان الحالية -على سبيل المثال- مصدرها الأساسي هو ضعف الإنتاجية والتنافسية في هذا البلد مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى، ولا يوجد في الاقتصاد الإسلامي ما ينفرد به عن غيره من النظريات الاقتصادية كحل للمشكلة اليونانية. أزمة إيطاليا ناتجة عن تاريخ طويل من المحسوبيات والفساد الحكومي، والاقتصاد الإسلامي لا يملك آليات قانونية خاصة يمكنها أن تحدّ من ذلك زيادة على ما تملكه الأنظمة الأخرى أصلاً. وبعيداً عن أوروبا، فأزمة اليابان الحالية هي اعتمادها التام على التصدير كبنية أساسية للاقتصاد؛ مما جعل اقتصادها رهناً لتقلبات الاقتصاد العالمي، وكذلك انغلاق السوق اليابانية على بعضه، والاقتصاد الإسلامي لم يتناول أيضاً وسائل تنويع الدخل القوميّ بشكل ينفرد به عن غيره.