تعاني البنوك في المملكة والخليج من نقص حاد في المقترضين. دعوني أقولها بالعامية فهي أقرب لاستثارة حميّتكم العربية (البنوك محتاجة فزعتكم). فبحسب مصادري فإن البنوك السعودية على سبيل المثال، قد وضعت أرقاماً ضخمة للإقراض في هذه السنة 2012 وذلك من خلال التمويل الشخصي ومن خلال تمويل شراء المساكن وغيرها من المشروعات الاستثمارية البنكية. إلا أن هذه الأموال قد بقيت في البنوك ولم يقترضها أحد. هذه مشكلة كبيرة وقعت ولا تدري البنوك ماذا ستفعل بهذه الأموال المتكدسة ولا فيم ستصرفها. (ابتسامة) لكن كيف سنفزع، ومن أين سنأتيهم بمقترضين ومعظمنا مديون؟! هذا الوضع ليس خاصاً بالسعودية، فقد جاء في تقرير للنيويورك تايمز أن هناك (مئات المليارات) مكدسة دون تحريك في منطقة الشرق الأوسط. ولا شك أن المملكة ودول الخليج من أول من يقصد بهذا التقرير المهم جداً. نسمع بالمليار ولا نستطيع تخيّله، ولو رأيناه يمشي في الشارع لما سلمنا عليه لأننا لم نلتق به قط. لكنه يبدو لي كرجل مهيب، وذلك لتغيّر نبرة الاقتصاديين وهم يتحدثون عنه. فما بالك بمئات المليارات المكدسة؟! ولا بد لك من أن تضع خطين تحت (دون تحريك) لأن عدم تحريك المال كارثة في أي اقتصاد كان. (كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ). هذا ما قرره رجالات المال وفلاسفة الاقتصاد بعد ألف سنة من نزول هذه الآية الكريمة، أعني أولئك الاقتصاديين الذين لا يتفقون مع فيلسوف الليبرالية الاقتصادية آدم سميث وما قرره في نظرية اقتصاد السوق الحر، فقد رأى العالم كله نتائج السوق الحر وما جرّه على العالم من أزمات قاتلة واختناق اقتصادي. يقول تقرير النيويورك تايمز إن صناديق الثروات السيادية الكبرى في البنوك الخليجية ظلّت تكتنز المليارات في حين كانت أسواق الأسهم العالمية تترنح وتنهار في عدة أماكن. وفي الكتاب السنوي الذي يصدره معهد الدراسات المصرفية في الكويت عن بنوك مجلس التعاون الخليجي (قد مر علي اسم هذا المجلس) جدول لحجم الودائع التي دخلت إلى معدة البنوك الخليجية في عام 2011 وأن البنك الأهلي التجاري السعودي قد احتل المرتبة الأولى بوصول حجم الودائع عنده لمبلغ 69.25 مليار (دولار أمريكي طبعاً وليس ريالاً) فيما احتل بنك قطر الوطني المرتبة الثانية ب65.3 مليار دولار، تلاه بنك الإماراتدبي الوطني ب59.7 مليار دولار. بينما احتلت مجموعة (سامبا) المالية السعودية المرتبة الخامسة من حيث الودائع بمبلغ 42.1 مليار دولار، تلاها بنك الكويت الوطني في المرتبة السادسة على مستوى الخليج العربي وفي المرتبة الأولى على المستوى الكويتي ب39.8 مليار دولار، وتلاه بنك الرياض السعودي في المرتبة السابعة خليجياً بودائع بلغت نحو 38.9 مليار دولار. بالنسبة للأفراد القلائل الذين يملكون أرصدة بالمليارات، فإنهم يواجهون مشكلة عويصة. هذه المشكلة قد تحدث عنها عدد من المودعين، وهي أن البنوك لم تعد تقبل ودائعهم. وعدم قبول الودائع سببه كما أسلفت لك أن البنوك قد ضاقت بأموالها هي التي عجزت عن استثمارها التي لم يقترضها أحد بسبب العجز. وقد عبّر بعض المليارديرات في دولة الكويت الشقيقة لبعض وسائل الإعلام عن مدى إحباطهم لأن البنوك المحلية لم تعد تقبل ودائعهم إلا في حال قبولهم بفائدة بسيطة لا تتجاوز 1% فقط وفي بعض الأحيان تقبلها مقابل صفر%. وقد صرحت المصارف الكويتية، التي أشهد لها بالشفافية برغم اختلافي الكامل مع سياساتها المالية، بأنها تعمدت خفض قيمة عوائد الودائع لتقترب من الصفر بسبب العجز عن (توظيف السيولة) نتيجة للركود الشديد لسوق الائتمان الكويتي منذ بداية الأزمة المالية في الخمس سنوات الماضية. لن أكمل ما جاء في هذا الكتاب، ولا تقرير النيويورك تايمز حرصاً على القراء من الجلطات والسكتات، فهم إخواني وعزيزون عندي. لكني سأقول إن الوضع في الكويت هو عبارة عن أنموذج مصغّر لوضع البنوك في المملكة، وأن الأزمة ستتضخم بسبب هذا الجمود، وهذا الجمود سببه تناقص الطبقة الوسطى (رحم الله معظمها). فتلك الطبقة كانت دائماً وأبداً، عندنا وفي كل مجتمع، صمام الأمان الذي يحفظ المجتمعات بعد الله من الاحتكاك ومن الجمود أيضاً، فهي التي كانت تقوم بعمليات التدوير، وتتعامل مع الغني والفقير. أما وقد تناقصت هذه الطبقة وتحول معظم أفرادها إلى فقراء، فالله وحده من سيساعدنا.