بح الصوت وكل المتن من طول وكثرة ما أسمعنا الآذان وطرقنا الأبواب وواجهنا بالمناقشة، آخذين في الاعتبار أن المنادى لابد من استجابته وأن الباب لابد أن يفتح، فالصمت لا يسع صاحبه ادعاء حق ليس له مبرر. كان ذلك وسيلتنا عبر منابر الصحافة وعبر اللقاء كأقل سبب نواجه به تبرير العنت في لزوم ما لا يلزم الذي يتحجج به بنك التنمية الزراعي في أبها حينما يشترط على المتقدم له بطلب قرض تنموي زراعي متواضع ألاَّ يلج مبنى إدارته دون أن يشتمل ملفه على صك شرعي للموقع الذي يرغب شموله بالتنمية عن طريق الإقراض المالي المتواضع الذي يملك فعله البنك، والذي حال دون تحقيقه وتفعيل تنمويته شرط تعجيزي تتمترس إدارة البنك خلفه لتعجيز مبتغي القرض التنموي! وأجزم بأن البنك عندما يضع هذه العثرة في طريق المقترض إنما يعمل على تحديد وتحجيم النفع التنموي المتبادل بين البنك والمزارع، الذي يفترض تحقيقه بشكل واسع لتشمل التنمية أكثر من موقع وتمتد مساحة النفع إلى مساحات أرحب وأفسح. ذلك إذا رغب البنك تحقيق أهدافه التي تتغاياها الدولة حين إنشائها هذه البنوك التنموية! ولا شك أن قيام البنك بالتمسك بمثل هذا الشرط يعطل التوسع ويحد من تحقيق الأهداف التنموية وينم عن قصور في التصور وعجز في إيجاد آليات أخرى تضمن للبنك حقوقه وتحمي مسيرة التنمية الزراعية التي يمثل البنك أهم محاورها ويربأ بأساليب البنك عن البيروقراطية التي تجاوزها الفكر الإداري الحديث. وقلت وسيقول غيري: إذا ظل البنك يتشبث بمثل هذه الملزمة كطريق لتحقيق أهدافه التنموية فإنه قد جانب الأسلوب الأمثل، مع أن هناك من الآليات والوسائل الأخرى ما يمكن للبنك اتباعها بعيداً عن العراقيل، أما إذا رغب البنك التأكد من إيجابية القرض وأدائه على أرض الواقع فإن في مقدوره اتباع أساليب رقابية ومتابعة ميدانية يتأكد من خلالها من إيجابية مردود القروض على مسرح الواقع بدلاً من التمترس وراء المكاتب الوثيرة والستائر الحاجبة للشمس انتظاراً لمراجعة المقترض التلقائية بعيداً عن تصور الغايات التي تهدف إليها مهام الإقراض في مجال التنمية الزراعية في المنطقة، ذلك خير من زرع الأشواك والشروط التعجيزية في طريق المقترض وإلزامه بإحضار صكوك شرعية على الموقع، ما يعني تعجيزه وبالتالي انعدام فرص التنمية المستهدفه التي أسس البنك من أجلها، ثم إنه لا يحفز المقترض على الوفاء، وبالتالي سنكون جميعاً على موعد مع موسم حصاد الحشف على بيادر خاوية. إن المزارع في منطقة عسير في ظل ظروف التنمية الحالية خليق بكل اهتمام يسد حاجته وينمي زراعته ولو على مستوى الكفاف. فمنطقة عسير تعدّ في أمسّ الحاجة إلى أساليب سهلة وميسرة وواقعية تتمشى مع طبيعتها الجغرافية وتدفع بالتنمية الزراعية التي يهدف إليها البنك إلى مستويات مسايرة للتطور العام. وكان عشمنا أن نجد تجاوباً مقنعاً يُشعرنا بأن عنصر الاهتمام بمثل هذه الجوانب لايزال ينبض بالحياة، غير أنه وقبل فترة ليست بالطويلة عاودت مراجعة البنك لاستطلاع ما استجد بعد أن أصبح بمسمى جديد وهو (بنك التنمية الزراعي) على أساس أنه سيمارس أساليب وخطوات تنموية حديثة طبقاً لشعاره، وإذ بي لا أجد للتجديد أي معنى يساوي ضخامة وأبهة المبنى الذي يتمركز موظف البنك بداخله، ولم أجد في جعبة المتحدث معي أثناء مراجعته أي جديد ينم عن توجه إيجابي لتفعيل واقع جديد ويترجم مهمة التنمية الزراعية على الواقع الجديد، بل لايزال قديم البنك هو جديده، ولقد انصرفت مكرراً ما قلته سابقاً وسأقوله لاحقاً وهو أن ظروف الطفرة الطموحة الحالية تتطلب استقلال الوقت والمال بما يحقق الأهداف التنموية الشاملة، التي يأتي في مقدمتها الجانب الزراعي الذي يعد قوام الحياة، لئلا تموت العيس عطشاً ويقحل العود ونحن نرسف في قيود بيروقراطية عقيمة! ولم أكن مجانباً للصواب عندما أقول بضرورة إجراء مقايسة بين المناطق التي يغزر فيها الإنتاج القومي وبين منطقة كمنطقة عسير الزراعية المحدودة التي تتصف بكفاف الإنتاج، ما يعني أن مقدار القرض وإجراءاته ستكون متواضعة لا تحتاج إلى كبير عناء وتشريع مزيد من التعقيد بما يحجم التوسع في الزراعة ويقلل من مسافة خطوات التنمية المستهدفة. فليس من المعقول أن تقاس منطقة عسير بغيرها من المناطق ذات الإنتاج الفائض، التي تتطلب قروضاً عالية تستوجب من الشروط ما يساوي المبالغ المطلوبة فيها، في الوقت الذي لا تتجاوز القروض في أبها عشرات الآلاف. إن في وسع إدارة البنك في أبها الرفع للإدارة العليا بتصورات واقعية عن الوضع في المنطقة وطلب العودة لاتباع الإجراء السابق في الإقراض وهو الاكتفاء بالوثائق المصدقة لاسيما إذا أخذنا في الاعتبار صعوبة بل واستحالة استخراج الصكوك الشرعية على الأملاك المورثة من عهود قديمة، كما أن التكاليف التي تنفقها الدولة على هذا المرفق من رواتب ومعدات ونفقات ونثريات تفوق بأضعاف مضاعفة ما يمكن إقراضه، على أن هذه القروض ستعود إلى صندوق البنك بعد أدائها مفعولها التنموي. فهل إلى ذلك من سبيل؟!