كشف المحاضر الدولي واللواء المصري السابق ضياء عبد الهادي عن وجود تنظيم سياسي سري كان يتبع وزير الداخلية المصري الأسبق حبيب العادلي تم إنشاؤه عام 2000 وقام بعمليات قذرة، مشيراً إلى أن البداية كانت من الرئيس السابق حسني مبارك الذي طلب من الوزير عند توليه المسؤولية تفريغ جهاز الشرطة من أي ضابط برتبة لواء، موضحا أن هذه الخطوة كان الهدف منها قمع المعارضين لمشروع توريث جمال مبارك للحكم في مصر. وقال اللواء ضياء الذي سجن لمدة 12 يوما في عام 2000 عندما قرر منافسة وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالي في انتخابات مجلس الشعب، إن وزارة الداخلية كانت تتدخل تدخلا مباشرا في الانتخابات بداية من إعداد بطاقات الاقتراع إلى منع الناخبين من الوصول إلى اللجان. وأوضح اللواء عبد الهادي ل»الشرق» أن وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي استعان بالبلطجية في الانتخابات، وجعل رجال الأعمال يدفعون لهم رواتب منتظمة ما أغرى الشباب العاطل على أن يمتهن البلطجة، لذلك استطاع بسهولة العادلي أن يكوِّن «جيشا سريا» من هؤلاء البلطجية. وفيما يلي نص الحوار : – بداية من أحداث ماسبيرو (المواجهات بين الجيش والمسيحيين)، مرورا بمحمد محمود ونهاية بأحداث مجلس الوزراء (المواجهات بين الجيش والمعتصمين)، كان البلطجية طرفا أصيلا في الاشتباكات .. فكيف يتم القضاء على ظاهرة البلطجة ؟ – المسألة بسيطة لأنها في يد وزارة الداخلية، فإن أرادت يمكنها أن تقبض على جميع البلطجية، فهم مسجلون لديها وبياناتهم موجودة في كل أجهزة الأمن، والفئة غير المسجلة سترتدع فورا عندما ترى أن البلطجي المعروف قبض عليه وهذا يؤدي إلى نوعين من الردع، الأول خاص بالبلطجي الذي يقبض عليه، والثاني عام وهو ما يجعل الشاب العاطل الذي انضم إليهم يفكر ألف مرة قبل العودة إليها. – كيف كانت تدار وزارة الداخلية في عهد حبيب العادلي وما علاقتها بتشكيل البلطجية والعاطلين؟ – وزارة الداخلية في عهد حبيب العادلي اختلفت اختلافا كبيرا عما كانت عليه قبل توليه المنصب بسبب سياسته الخاطئة، والبداية كانت من الرئيس المخلوع حسني مبارك، الذي طلب من الوزير عند توليه المسؤولية تفريغ جهاز الشرطة من أي ضابط برتبة لواء، وذلك عام 1997 في توجيه سياسي أكثر منه أمني، وبالفعل بدأت خطة العادلي في تقليص دور الجهاز بالضغط على ضباطه، فمنعهم من الحديث مع وسائل الإعلام ومنع نشر صورهم وكتابة أسمائهم، وبدأ يهمش الأمن الجنائي لصالح الأمن السياسي وبدأ في تصفية الضباط الأكفاء مع ترك الأسوأ ليستمر في التقدم داخل الشرطة فاختلط الحابل بالنابل. وفي مرحلة ثانية بدأت توجيهات التوريث، فقرر الوزير حبيب العادلي التغلغل في كل قطاعات الدولة حتى يكون مؤثرا ويضمن ولاء كل القطاعات للجهاز الأمني ترقبا للحظة التوريث. وحتى يستجيب الجميع لتوجيهات التوريث عندما تصدر من حبيب العادلي، لقد أرهب العادلي كل أجهزة الدولة بإعلامها وجامعاتها وموظفيها ورياضييها، وأصبحت لوزارة الداخلية تدخلات في كل قطاعات الدولة ومؤسساتها، والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة، فكل هذه الأمور جعلت وزير الداخلية يصاب بالغرور وجنون العظمة وهوس السلطة وهذه الحالة قلبت البلد، حيث انتقلت هذه الحالة إلى أتباعه ومنهم إلى أتباعهم نزولا حتى أصغر عامل في وزارة الداخلية ما أدى إلى سيطرة الأمن على كل مفاصل الدولة. – كيف كانت تتدخل الداخلية في الانتخابات البرلمانية؟ – الشرطة كانت تتدخل تدخلاً مباشراً في الانتخابات، بداية من إعداد بطاقات الاقتراع إلى منع الناخبين من الوصول إلى المقارّ الانتخابية، وفي هذا الإطار اخترع العادلي اقتراعاً لم نرَ له مثيلاً من قبل، عندما قررت الدولة أن تُجري الانتخابات البرلمانية في 2005 تحت الإشراف القضائي، فوضع سيناريو عدم دخول الناخب إلى مقارّ ولجان الانتخابات، إلا الذي يسمح بدخوله «البلطجية» الذين كان يستعين بهم كنوع من أنواع التأمين ومواجهة الخطر؛ لتقليل المخاطر على الضباط، فتحولت أعمال «البلطجة» إلى مهنة بمقابل مادي وتسهيلات، وتعاظَم دورها عند تزاوج السلطة بالمال ودخول رجال الأعمال معترك الحياة السياسية؛ لأن المرشحين أصبحوا مليونيرات يغدقون المال على «البلطجية» من أوسع الأبواب، وتزايد الطلب عليهم. ومع قلة المعروض من «البلطجية» ضموا إليهم الكثير من الشباب العاطل بمقابل مادي ألف جنيه في اليوم، وهو ما أغرى الكثير من الشباب الجالس على المقاهي بلا عمل في أن يعمل «بلطجياً» أثناء إجراء الانتخابات، وما شجع هؤلاء الشباب العاطل على قبول هذه المهنة أن «البلطجي» يكسب أموالاً طائلة في الانتخابات وهو مسجل لدى وزارة الداخلية، ومع ذلك لا يُقبض عليه، ولا يوجد أي رادع له. – ما هي أهم الأخطاء من وجهة نظرك التي ارتكبها حبيب العادلي؟ – أولا حبيب العادلي كان يعمل ضابطا بأمن الدولة ولم يعمل بالأمن العام قبل توليه منصبه، وكان يعمل في النشاط العربي لمدة طويلة وعمل أربع سنوات في الأردن وهو وزير بالمصادفة خدمته الأقدمية. أما أهم أخطائه، فهي تفريغ الجهاز من كفاءاته، وعدم تقديم كوادر جديدة، وأهدر حقوق الضباط، كما امتنع عن تنفيذ الأحكام القضائية التي كانت تصدر ضد وزارة الداخلية لمدة 11عاما، علاوة على أنه وقّع جزاءات على جميع الضباط في عهده، وهناك الكثير من الضباط الذين صدرت لصالحهم أحكام بالعودة إلى العمل، فكان يرد عليهم بتوقيع الجزاءات على الضابط. كما أهمل الأمن الجنائي لأنه كان عنده فى المرتبة الثالثة، وكان همه الأول إرضاء القيادة السياسية وهمه الثانى العمل على تنفيذ سيناريو التوريث. – كيف كانت علاقة العادلي بجمال مبارك؟ – كانت علاقة قوية جداً لأنه كان الوريث وهو الذي كان يجهز له المسرح، وكان جمال يطلب ما يخدمه في التوريث، وكان العادلي ينفذ فوراً. – هل كان لوزارة الداخلية دور في دعم بعض رجال الأعمال؟ – وزارة الداخلية في عهد حبيب العادلي كانت تتدخل حتى في الماء والهواء، كان هناك صيادون يتم منعهم من النزول للصيد لمصلحة آخرين وكانت توجد تفرقة بين رجال الأعمال في المعاملة والموافقات على المشروعات، وهناك من تتم الموافقة له على الفور، وهناك مَنْ كانت تُرفض طلباته رغم التزامه بشروط ومواصفات المشروع المستهدف. وأريد التأكيد أن الأمن هو عماد الاقتصاد وليس الأمن المنحاز إلى فئة على حساب أخرى، وإذا انحاز الجهاز الأمني لرجل أعمال دون الآخر تدهور الاقتصاد وتوغل الاحتكار، واتسعت دائرة المخالفات في كل شيء، وهذا خلل اقتصادي قوي يضر المجتمع كله. – كيف ترى وزارة الداخلية بعد ثورة 25 يناير، وهل هي قادرة على تحقيق الاستقرار الأمني لتزويد عجلة الإنتاج وتأمين المواطن ؟ – أدعو الله أن يوفق الوزير الجديد في هذه القضية لأن الاستمرار على الوضع الحالي للوزارة لن يحقق الإصلاحات المرجوة، فالمطلوب الآن إعادة ترتيب البيت من الداخل ووضع الضباط في وضع آمن وحصولهم على حقوقهم المادية والنفسية والاجتماعية وتحقيق العدل بينهم، ويكون تولي المناصب بالكفاءة وليس بالأقدمية. – شهدت الفترة الأخيرة تدخلات من وزارة الداخلية لفض الاعتصامات بالقوة، فما هي آلية اتخاذ القرار داخل وزارة الداخلية، ومتى يمكن فض الاعتصام بالقوة؟ وهل يجوز ذلك أثناء الثورات؟ – الاعتصام السلمي حق مشروع لكل مواطن وإذا أدى هذا الاعتصام إلى الإضرار بالأمن العام أو إتلاف أو قطع طريق أو مواصلات، فإنه يخرج من السلمية إلى الجنائية، وعندما يصعّد هذا بشكل معين تأتي أوامر الفض التي لا تأتي إلا من وزير الداخلية بعد العرض عليه، ذلك لأن الداخلية وزارة مركزية، ولا أحد من القادة في أي موقع يستطيع أن يتخذ القرار من تلقاء نفسه، فالحادثة تصعّد من أصغر أمين شرطة إلى أن تصل إلى مكتب الوزير، الذي يقرر بنفسه كيف يتم التعامل ولا يستطيع الفرد الموجود في الموقع حتى لو ضُرب بالطوب أن يتعامل، فلابد أن يأتي له أمر مباشر، وعندما تستغرق الأحداث وقتاً طويلاً قد يفوض الوزير سلطاته للمختص الموجود في موقع الحدث، وهو النائب له في الأرض بأن يمنحه تفويضاً. – لو كنت وزيراً للداخلية ما هو أول قرار ستتخذه في ظل الظروف الراهنة؟ – أول قرار هو مراجعة كل ملفات الضباط ورفع أي ظلم قاموا به مع إقرار أسلوب تعامل جديد تماما، الأساس هو تحقيق أمن الشارع بالقضاء على البلطجة وعلى السرقة بالإكراه وحوادث سرقات السيارات. يجب إعادة هيكلة الوزارة مرة أخرى لأن هناك قطاعات كثيرة يجب ألا تتدخل فيها الشرطة مثل الأحوال المدنية والدفاع المدني والحريق ومباحث السكة الحديد والكهرباء. اللواء ضياء عبد الهادي يتحدث مع مراسل «الشرق»