موضوع مستقبل الصحافة المطبوعة يثار في عالمنا العربي بشكل ربما يكون مختلفا بعض الشيء عن ذلك المثارفي الغرب. ففي الوقت الذي يناقش فيه العاملون في صناعة الإعلام الغربي هذا الموضوع انطلاقا من حقائق ملموسة قائمة على أرقام التوزيع والإعلانات في الصحافة المطبوعة والرقمية، فإننا نجد أن نقاش هذه القضية لدينا مازالت تتردد فيه كثيرا عبارات عاطفية مثل “رائحة وملمس وحميمية الورق”، أو الاختلافات الثقافية بيننا وبينهم أو حتى الاتهام لمن يرجح سيادة الرقمي بأنه “معادٍ للورقية!”. هذا الاتهام بمعاداة الورقية سمعته شخصيا عدة مرات بحكم أني لم أعد أعمل بمؤسسات صحفية تقليدية. والحقيقة التي لا يعرفها البعض هي أن أول مقال كتبته عن مستقبل الصحافة المطبوعة كان في نوفمبر 1994م أي قبل 18 سنة بعنوان “مع تطور الإعلام الإلكتروني..هل تصبح الصحافة المطبوعة جزءا من الماضي؟”. ثم في مايو 1996م كتبت مقالا آخرتحدثت فيه ولأول مرة عربياً عن قادم اسمه “الإعلام الجديد” وقدمت مجموعة نصائح للصحف لمواجهته. أما في عام 2002 فقد أصدرت كتابي “الإعلام القديم والإعلام الجديد..هل الصحافة المطبوعة في طريقها للانقراض؟”. كل هذه الكتابات حول أزمة الصحافة الورقية كانت أثناء شَغلي لوظائف قيادية في مؤسسات صحفية تقليدية. مرت قرابة عقدين من الزمن منذ ذلك الحين شهدت تحولات إعلامية كبيرة منها ظهور شبكات تواصل اجتماعي تجاوز مشتركوها المليار مستخدم، وظهور أجيال جديدة من الأجهزة اللوحية تتسم بالحميمية.. ماتت مطبوعات ورقية كثيرة كان آخرها النيوزويك، وولدت مطبوعات جديدة قليلة مازالت البيئة حولها جذابة للاستثمار إعلانيا وتوزيعيا.. والدرس الأخير المستفاد هو أن “التغيير” حق وأن المسألة ليست صراعا بين المطبوع والرقمي بقدر ما هو تطور وتكامل.