فاصلة: (من يتردّد بين مقعدين يقع أرضاً) حكمة إنجليزية لا يستطيع عاقل أن ينكر تأثير الإعلام الجديد على المجتمعات، لكني لست في موقع مقارنة بينه وبين الإعلام التقليدي، إذ إنني أود الحديث عن الصحفي الجديد الذي خلقته مواقع التواصل الاجتماعي في شبكة الإنترنت. هو ليس مهنياً، ولم يدرس تخصص الصحافة، بل وربما لم ينشر قط في مؤسسة صحفية أو يعمل فيها ويتقاضى أجراً! هو القارئ الذي كان لأجل تحقيق رغبته في التعبير عن رأيه، يتوجّب عليه أن يكتب تعليقاً يناسب توجُّهات المطبوعة لتنشره، أو زيارة المحرر المسئول عن صفحة القراء، وكانت الصحف تتباهى بإفرادها صفحة أو اثنتين لردود وتعليقات القراء بمساحة محدودة مهما اتسعت ومعايير محددة مهما مرنت، فإنها لا تقارن بما يحصل عليه القارئ اليوم في زمن الإعلام الجديد. هو اليوم سيد الموقف وهو الذي يستطيع من خلال حساب في «فيس بوك» أو «تويتر» أو أي من مواقع التواصل الاجتماعي الشهيرة، أن يمارس عمل الصحفي ولا يحتاج إلاّ إلى كاميرا لينقل الحدث للناس وبعض المعلومات، دون حتى الخضوع إلى معايير أخلاقيات مهنة الصحافة من تحري المصداقية وسواها. وهو بذلك أسرع من الصحفي الذي يعمل في الصحافة الورقية، وينتظر صدور العدد الأول من صحيفته بعد أن يكون الخبر أو القصة التي كتبها قد ماتت. تأثير القارئ الصحفي أو ما يُطلق عليه «المواطن الصحفي» أكثر سرعة، كون فكرة التواصل فيه قائمة على التفاعل (مرسل ومستقبل)، على العكس من الصحف الورقية التي يكون فيها المحرر هو المرسل فقط، كما أنّ تأثر مواقع التواصل الاجتماعي تحدث الثأثير السلوكي الذي لا يتحقق في الصحافة الورقية إلاّ بجهود جبّارة. والسؤال المهم أي خطاب سيصنعه الإعلام الجديد والصحافيون المواطنون في ظل صحافيين ما زالوا يردّدون أنّ الصحافة الورقية لن تنقرض، بينما مؤسساتهم تنشئ المواقع الإليكترونية وتهتم بتعليقات القراء بشكل لافت؟، فإذا ظلّ الصحفيون دون تطوير لأدواتهم المهنية وسط هذا التنافس المحموم من قِبل قراء تحوّلوا إلى صحافيين، فلا أظنهم سيجدون في المستقبل أي تأثير لعملهم. المفارقة الحقيقية أنّ صحافة المواطن هي الديموقراطية، فكيف يمكن أن تحيا في ظل مجتمعات عربية بلا ديموقراطية؟!! وكيف للصحافي المقموع أن يخلق صحافة جديدة لذلك ربما ظهر الصحافي المواطن ليستطيع أن يحقق ما عجز عنه الصحافيون في زمن ما قبل ثورة الإعلام الجديد.