قصة السجين مازن مساوى، رحمه الله، ليست هي المأساة الكبرى في السجون العراقية لسجناء سعوديين. هناك العديد من الأسماء التي يحمل كل اسم منها مأساته الخاصة، فالاثنان والستون سجيناً سعودياً في العراق يحمل كل واحدٍ منهم مأساته الخاصة التي لا تشبه الآخرين إلا في شيئين اثنين يجمعان كل أبنائنا خلف القضبان في بلاد الرافدين: أولهما الأسباب الطائفية التي أدت إلى اعتقالهم وتعذيبهم وممارسة كافة أشكال التنكيل ضدهم، أما الصفة الأخرى التي تجمعهم فهي تلفيق التهم التي جاء سردها متواتراً من أكثر من مصدر لتجعل منها حقيقة ماثلة لا تقبل التشكيك فيها، فمحامو بعضهم قال إن موكله وقّع على عدد من الأوراق البيضاء تحت التعذيب ليجد أن كل ما يستند إليه حكم السلطات العراقية على السجين لا يستند إلا إلى هذه الأوراق البيضاء التي تم تسويدها، تماماً كالعراق الذي يتم الآن تسويد كل صفحاته بلا هوادة ليتحول من وطن عربي كريم إلى محافظة إيرانية تتبع صاحب الزمان في قم. إن القول بطائفية الأحكام الصادرة ضد مواطنين سعوديين في سجون العراق لا يستند إلى الظن أبداً، إذ يغني عن الظن تصريحات بعض العراقيين، ومنهم أعضاء في البرلمان العراقي فقد صرح أحد الأعضاء لبرنامج تليفزيوني الجمعة الماضية أن وراء اعتقال السعوديين أسباباً طائفية، كما جاء على موقع «أخبار24» حين «كشف مصدر أمني عراقي أن جهات التحقيق والنيابة العامة العراقية زورت في تاريخ اعتقال السجين السعودي بالعراق بدر عوفان رهط الشمري، الذي يواجه حكماً بالإعدام مع زميله عبدالله عزام القحطاني، ليبدو وكأنه اعتقل في 2008 بدلاً عن «2010»، حتى يتزامن مع تاريخ وقوع جريمة القتل التي يحاكم فيها، واصفاً محاكمة السجينين بالطائفية غير العادلة. وأضاف المصدر أن قضية الشمري طائفية فعقوبة الانتماء لجماعات محظورة حتى لو كانت إرهابية، السجن لمدة لا تتجاوز «15» عاماً، إلا أن الشمري سيواجه الإعدام شنقاً كحال السعودي مازن المساوي الذي أعدم شنقاً مؤخراً، وكذلك شادي الصاعدي الذي حكم عليه بالإعدام. وتابع المصدر، أن محامي الشمري طلب من المحكمة التأكد من تاريخ حدوث الجريمة التي تم اتهام موكله فيها، حيث إن الوقائع تؤكد حدوثها في عام «2009» بينما تم القبض على الشمري في «2010»، وتمت مخاطبة شرطة الموصل للاستفسار، إلا أن وزارة العدل العراقية، تستعجل إصدار الحكم قبل وصول رد شرطة الموصل. كما كشف أن توجيهات صدرت من جهات عراقية عليا باستعجال النطق بالأحكام بحق السعوديين، حتى لا يستفيد أكبر عدد منهم من اتفاقية تبادل السجناء التي أبرمت مؤخراً بين الرياض وبغداد، ولا تزال في انتظار المصادقة عليها من البرلمان العراقي. ولعل في إطلاق سراح عضو حزب الله «علي دقدوق» من سجون العراق ما يؤكد البعد الطائفي الكامن خلف اعتقال السعوديين في العراق، فالدقدوق مطلوب بجرائم إرهابية لا توازي اعتقال سعوديين دخلوا العراق بطريقة غير نظامية لا أكثر، ففي مايو من هذا العام قررت المحكمة الجنائية المركزية العراقية إطلاق سراح الناشط في حزب الله اللبناني علي دقدوق المشتبه بتورطه في قتل جنود أمريكيين في كانون الثاني 2007 في العراق، حسبما أعلن محامي المتهم. وكان قد اتهم دقدوق بتدريب متشددين عراقيين والتخطيط لعملية خطف في عام 2007 أسفرت عن قتل خمسة جنود أمريكيين. وقد قال محاميه «عبد المهدي المطيري» لوكالات الأنباء: «قرر القضاء العراقي إسقاط جميع التهم والإفراج عنه دون ضمانات لعدم كفاية الأدلة». وأكد المطيري أنه «لم تتوفر أي شهادة والتهمة كانت ظنية وهذه لا يمكن اعتمادها في المحاكمة». هذا الإرهابي، المنتمي لحزب إرهابي، كان مصدراً للتوتر بين بغداد وواشنطن قبل انسحاب القوات الأمريكية من العراق في ديسمبر كانون الأول من العام الماضي. وكان مسؤولو الحكومة الأمريكية يسعون في بادئ الأمر إلى إبقاء دقدوق رهن الاعتقال، وقالوا إنهم يخشون إذا سلموه للسلطات العراقية ألا تتمكن من احتجازه لفترة طويلة وألا تستطيع إدانته. ورغم تأكيد القضاء العراقي على عزمه على محاكمة دقدوق على جرائمه إلا أنه وجد محاكمة طائفية قضت ببراءته وأطلقت سراحه. بالطبع لا يمكن مقارنة أي معتقل سعودي حتى لو كانت تهمته دخول الأراضي العراقية بطريقة غير نظامية بالمعتقل المنتمي لحزب الله الذي كانت تهمته القتل العمد وتكوين خلايا إرهابية وتدريب عراقيين متشددين لممارسة الإرهاب وقتل الأبرياء في العراق، ففي وطن طائفي، بشهادة أبنائه، يبقى البحث عن الحقيقة أو عن العدالة أمراً من ضروب الخيال، إذ يمارس بعض العراقيين من طائفة بعينها دور الجلاد للانتقام من مرحلة بات المنصفون يشكّون في أنها كانت بظلامية أو بؤس ما يعيشه العراق الآن.