ليس من عادتي الرجوع للمقالات السابقة والتعقيب عليها، لكن مقال الأسبوع المنصرم استوجب تغيير هذه العادة نظراً للردود التي جاءت على المقال وكذلك ما وصلني من رسائل أو اتصالات، فيبدو أنني نثرت ملحاً على الجرح المفتوح، إذ اتصل بي عدد من الأصدقاء وبعض ممن لا أعرف أرسل على بريدي ليقصوا لي بعض قصص whatsapp وما عانوه معه من روايات لا أساس لها من الصحة، أو أحاديث نبوية يصعب قبولها عند عرضها على المنطق قبل عرضها على الأسانيد، إلى غير ذلك من قصص عن السلف الصالح مما يتضح زيغها وخطلها عند مجرد النظر إليها. ولعل من أطرف ما سمعت حول تبرير مثل هذه الرسائل ما سمعته من أحد الأصدقاء في اتصال علّق فيه على المقالة السابقة ثم أردف: «مثل هذه الأحاديث يتناقلها الناس لأن مضمونها جيد، فهي تساعد كثيراً على أن يتمسك الناس بدينهم!!». إن المضامين الصحيحة والسليمة لا تعطي للبعض مبرراً لاختلاق القصص أو تناقل الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة، فالدين كامل لا يحتاج لمن يكمله بوضع أو اختلاق أو حتى تواطؤ على نقل ما لا صدقية له، فالقول بجواز نقل مثل تلك الأحاديث أو اختلاق قصص لا أساس لها من الصحة قول يطعن في الدين وفي كماله، وهذا مما استشكل على البعض فجعلوا من النوايا الحسنة سبباً في اقتراف خطأ جسيم، فهم ممن ينطبق عليه المثل الإنجليزي: «الطريق إلى الجحيم مليء بالنوايا الحسنة». أيضاً، مما ساقه البعض لتبرير هذه الظاهرة قولهم إنها الحماسة الدينية، فالعالم الإسلامي كله يشاهد ما يقترفه العالم، في أماكن عديدة منه، من إساءات للإسلام ولنبيه الكريم -صلى الله عليه وسلم-، لهذا هم معذورون في الدفاع عن دينهم بالطريقة التي يرونها. ولعل مثل في هذا التبرير ما يحمل من السوء أكثر من القول بأن مضامين الرسائل الجيدة تغفر لها وجوب ذكر مصادر المقولات التي يتم تناقلها، لأنه تبرير يتعامى عن سيرة السلف الصالح منذ عهد النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، مروراً بعصر الخلفاء الراشدين، فالدولة الأموية ثم العباسية إلى غيرها من الدول الإسلامية المتعاقبة، ففي سيرة ذلك السلف ما يغني عن اختلاق الأحاديث وتوسل الحكايات المكذوبة للدفاع عن ديننا، فلم يسأ للإسلام أكثر مما أسيء له وقت نزول الوحي، كما لم يسأ لنبيه -صلى الله عليه وسلم- مثلما أسيء له وهو ينشر دعوته، فلم يجعله ذلك يدافع عن دينه الوليد باختلاق القصص أو تزييف التاريخ، بل اعتمد الحقيقة مصدراً للتنوير، وبها انتصر على أعدائه، ونشر الله تعالى رسالته. إن البحث عن مبررات لتمرير مثل هذه الرسائل غير الموثوقة سيؤدي حتما لجعل تقنية المحادثات على الأجهزة الذكية ذات مصداقية يمكن أن تأخذ مشروعيتها الكاملة بمرور السنوات كمصدر للعديد من الأحاديث والحكايات التي يتم اختلاقها، فجيل كامل من أبنائنا اليوم تربوا على منتجات شركات الاتصالات، ما يجعل إيجاد جهات مختصة في سبيل متابعة ما يتم تناقله عبر وسائل الاتصال الحديثة أمراً ملحّاً، لا أعني هنا الرقابة على الأجهزة والمستخدمين، ولكنني أؤكد على ضرورة رصد الظواهر التي نشأت حديثاً مما لها علاقة بالإنترنت بكافة استخداماته، وذلك لدراستها والتحذير من تفشيها وإيجاد الحلول المناسبة لكل ظاهرة سلبية. وأخيراً، إن برمجيات المحادثات التي يتم استخدامها في الأجهزة اللوحية للتواصل الاجتماعي ما هي إلا وسائط ناقلة، إذ إنها وسيلة من خلالها تكتشف ذهنية من يستخدمها، وفي مجتمعنا يبدو أنها تشير نحو ذهنية اجتماعية متسامحة في كل ما يتعلق بالمعرفة، ولا سيما المعرفة الدينية لمصادر الأحاديث أو سيرة السلف الصالح، إلا أن تقنية برنامج المحادثات «واتس آب» تفوق نظيراتها من برامج المحادثات في أنها تقنية غير آمنة، فما تم ذكره آنفاً ما هو إلا غيض من فيض، فالواتس آب ليس تقنية آمنة، ففي شهر أبريل مطلع هذا العام قال الأستاذ عبدالله العلي المحقق الجنائي في جرائم الكمبيوتر في دولة الكويت في برنامج «توك شوك» مع محمد الوشيحي على قناة اليوم إن برنامج الواتس آب يعد من أخطر البرامج وأسوئها من الناحية العملية التي يستخدمها الناس حيث يمكن الاطلاع على جميع معلوماتك سواء كانت الأرقام، الصور، مشاهد الفيديو، المواقع التي تزورها.. والكثير.. وذكر الأستاذ عبدالله أن مقدمي خدمة الواتس آب رفضوا تشفير البرنامج، وقال إنه بمقدور شركات الاتصالات والإنترنت الاطلاع على جميع المعلومات الخاصة بالمستخدم.. ونصح المستخدمين بضرورة البحث عن شركات بديلة، لأن هناك من البدائل ما يضمن أمن وسرية معلومات المستخدمين لهذه التقنية.