نعم، المخاطب في الجملة السابقة هو جبريل عليه السلام، الملك الكريم الذي يؤمن المسلمون أنه ملك سماوي مخلوق من نور نزل بالوحي على الأنبياء بأمر الله كما هو الحال مع القرآن الذي نزل به على الرسول محمد بن عبد الله – صلى الله عليه وسلّم -. وهو الروح الأمين وروح من أمر الله وهو الناموس الذي نزل بالرسالات على الرسل وهو الذي آزر موسى وشجعه يوم الزينة، وهو الذي بشر سحرة فرعون بالجنة بعد أن صلبهم فرعون في جذوع النخل وكان مع بني إسرائيل وهم يعبرون البحر المنشق، وهو الذي كان أول لقاء بينه وبين محمد – صلى الله عليه وسلّم- في بادية بني سعد، عندما كان صلى الله عليه وسلّم في الرابعة من عمره حين كان يلعب مع أقرانه، فجاءه جبريل وأخذه فصرعه ثم شق صدره، كما يروي القصة مسلم في صحيحه. وحين بلغ الرسول – صلى الله عليه وسلّم- الأربعين، نزل الوحي لأول مرّة عليه وهو في غار حراء، لتبدأ قصة الوحي الذي نزل به جبريل على رسول الله لثلاثة وعشرين عاما. جبريل عليه السلام لم يسلم من خزعبلات التقنية الحديثة التي لا تخضع لرقابة من يستخدمونها، فيسوقون كل ما يصل إليهم دون مراجعة، ويتبنون كل قصة دون أن يبحثوا عن صحتها، ولعل من أخطرها تقنية «whatsapp» التي أتاحت برنامج محادثات كتابية لا محدودة وبلا رسوم، فكانت ذات أثر جيد في كثير من استخداماتها، إلا أنها جعلت من المعرفة أمراً مشاعاً إلى درجة تضع أسئلة كثيرة ومحيرة عن أي جهة تقف وراء تسويق بعض المعارف في صيغة أحاديث أو آثار عن الصحابة والتابعين مما لا وجود لها في كتب الصحاح ولا في مؤلفات السابقين ولا حتى المتأخرين، ومن ذلك هذه القصة التي ترد على هيئة حديث شريف: «طلب جبريل الإذن من الله بأن يقوم بقياس عرض الجنة، فأعطاه الله الإذن بذلك فانطلق بالطيران في الجنة، وكما تعلمون أن جبريل قد أعطاه الله قدرة هائلة فهو يقطع المسافة التي بين السماء السابعة وبين الأرض بطرفة عين. علما بأن المسافة بين السماء الأولى وبين الأرض 500 عام وبين السماء الأولى والثانية 500 عام وغلظ السماء الثانية كذلك وهكذا… كما ورد في الأثر. فجبريل يقطع تلك المسافة بطرفة عين، وانطلق جبريل عليه السلام ليقيس عرض الجنة فطار مدة 300 ألف عام ثم توقف، وطلب من الله أن يمده بالعون ليطير 300 ألف عام أخرى فأمده الله سبحانه وتعالى، فانطلق جبريل ولما قطع 300 ألف عام توقف وطلب من الله أن يمده ب 300 ألف عام أخرى. وهكذا حتى قطع جبريل 900 ألف عام يطير في الجنة ثم توقف فرأى قصرا في الجنة قد أطلت منه إحدى الحوريات فقالت له: يا جبريل ماذا تفعل؟ قال: أريد أن أقيس عرض الجنة، قالت: (يا جبريل لا تتعب نفسك، أنت الآن منذ انطلاقتك الأولى تطير في حدود مملكتي، قال: ومن أنت؟، قالت: أنا زوجة لمؤمن واحد). هذه القصة، المتهافتة والركيكة، مجرد أنموذج وحيد يبين خطورة ما تقوم به التقنية من إشاعة للمعارف المغلوطة إذا لم يتمتع المستخدمون بقدرة على نقد ما يتم تناقله، فكثير من القصص التي تدور في الواتس أب قصص يبدو أنها مؤلفة بنيات سليمة من قبل أشخاص يريدون الترغيب في الخيرات ولكنهم لا يعون خطورة اختلاق القصص أو ترويج الأحاديث الضعيفة، إذ إن سلبيات مثل هذه القصص وتلك الأحاديث الضعيفة تفوق منافعها بأضعاف كثيرة. إن مما يؤسف له أن يتم تناقل حكاية كهذه التي يسردها الحديث الذي لا صحة له مطلقاً، فأي رجل رشيد سيكتشف ركاكة صياغة الحديث ابتداءً، إضافة إلى اعتماده على مسلمات ليست مما يرد في خطابات الرسول لأصحابه كقوله (وكما تعلمون أن جبريل قد أعطاه الله قدرة هائلة فهو يقطع المسافة التي بين السماء السابعة وبين الأرض بطرفة عين) وهي ذات المسلمة التي لو عرضناها على ما لدينا من قرآن لجعلت من هذا الحديث مادة لا تقبل النقل ولا تليق بمتلقين واعين، فإن كان جبريل يقطع ما بين السماء السابعة والأرض في طرفة عين، فإن كتاب الله الكريم يرد فيه قوله تعالى : (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ). إن حديثاً كهذا، وأحاديث أو حكايات مشابهة، تحتاج إلى أن نتوقف كثيراً قبل تناقلها، لأن المؤمن فطن لبيب ليس من صفاته الغفلة، لهذا كان حرياً بنا، كمستخدمين للتقنية، أن نبين خطل هذه الخزعبلات، أو أن نهملها كحد أدنى يمكن من خلاله القضاء على هذه الظاهرة، وذلك هو أضعف الإيمان.