تصرُّ مجموعات إسلامية في احتجاجاتها في عدة دولٍ عربية على رفع راياتٍ سوداء أشبه بتلك التي يحملها تنظيم القاعدة منذ سنوات حتى ارتبطت تماماً بعناصره، وبدا مألوفاً خلال الفترة الأخيرة مشاهدة هذه الرايات مرتفعة في شوارع مصر وتونس والمغرب واليمن ولبنان والأردن، لتتزايد التساؤلات عن معنى رفعها. من الناحية الدينية، لا يوجد سندٌ شرعي لهذه الرايات، كما أن شهادة التوحيد المكتوبة عليها ليست حكراً على تيارٍ بعينه فهي ساكنةٌ في قلوب وعقول كل المسلمين، لذا قد يبعث الإصرار على رفع هذه الرايات برسالة ظاهرية مفادها أن من يرفعونها أكثر ولاءً لها من سواد الأمة، وهو أمر غير صحيح. سياسياً، أدى ظهور هذه الرايات إلى الربط بين الاحتجاجات التي تعلو فيها وتنظيم القاعدة الإرهابي، وهو ما أضر بالقضايا التي يخرج المحتجون الإسلاميون من أجلها. ومؤخراً اعتبرت الولاياتالمتحدة أن التظاهرات التي خرجت في عدة دول عربية وإسلامية ضد الفيلم المسيء من تنظيم عناصر القاعدة، خصوصاً أن أعمال عنفٍ تخللتها، فلم تعد هذه الرايات بفائدة على المحتجين، وإنما أضرت بهم رغم أنهم قد لا يرتبطون بالقاعدة أو بمجموعات أخرى مسلحة. ولعل هذا الضرر هو ما دفع أحد أبرز شيوخ التيار السلفي في المغرب، الشيخ عبدالوهاب رفيقي، إلى نزع الشرعية الدينية عن حملة الرايات، واتهام من يصرُّون على ذلك بارتكاب “تصرفات خرقاء تضر بقضاياهم” وتؤخر من عملية انفتاحهم على مجتمعاتهم، وتسمح لأطراف أخرى باستغلال الموقف ضدهم. ويُلقي رأي الشيخ رفيقي، بحجرٍ في المياه الراكدة، خصوصاً أنه صدر عن قيادي محسوب على تيار السلفية الجهادية، ما يعني أن القضية قد تصبح مثار نقاشٍ بين الحركات الإسلامية خلال الأيام المقبلة، انطلاقاً من قناعةٍ بدأت تتشكل لدى كثيرين بأن الانتصار لقضايا الأمة لن يحققه حمل الرايات السوداء خلال الاحتجاجات، وإنما يحققه العمل من أجل التخلُّق بقيم الدين، وإبراز سماحته للآخر، والاجتهاد لبناء مستقبل أفضل للمسلمين يصنع قوتهم.