لم تنجح وزيرة الخارجية الأمريكية (هيلاري كلينتون) في إقناع الجانب الروسي بضرورة تبديل نهجه فيما يتعلق بالأحداث في سوريا. وزاد من تشاؤمها إعلانها: «استمرار الخلاف مع روسيا في حل مشكلة سوريا « !. في وقت تردد أن واشنطن تخشى من وجود اتفاق ضمني بين روسيا ونظام (بشار الأسد) للقضاء على الثوار، حتى لو كلف ذلك كثيراً. وكان وزير الخارجية الروسي ( سيرجي لافروف ) قد عرض يوم السبت (8/9/2012) العودة إلى مجلس الأمن لمناقشة ( إعلان جنيف) حول سوريا – الذي صدر في يوليو الماضي – فيما اعتبرته المصادر خطةً لكسب الوقت، وتمكين النظام السوري من الاستمرار في قصف المدن والبلدات السورية بهدف القضاء على الثورة. وكان (لافروف) قد رفض طلباً من ( كلينتون) يشترط العودة إلى مجلس الأمن لحل المشكلة على أن يصدر – هذا الأخير- قراراً يعاقب (الأسد) إذا رفضَ تنفيذ القرارات الدولية. وفي إشارة إلى جدية الموقف الأمريكي تجاه الثورة السورية أعلنت ( كلينتون) أن الولاياتالمتحدة «ستعمل مع أصدقائها لتعزيز دعمها للمعارضة السورية «. كما ألمحت إلى «أنه ليس هناك فائدة من تطبيق قرارٍ من دون أسنان، لأننا رأينا مراراً وتكراراً أن ( الأسد) سيتجاهله، وسيواصل مهاجمة شعبه». معلوم أن روسيا ترفض أي عقوبات ضد نظام (الأسد). ولقد أكد (لافروف): «روسيا ضد هذه السياسية في حل المشكلات. لا بد من التعاون مع الدول المعنية وليس عزلها»!. ونظراً لتباين الموقفين (الأمريكي والروسي)، وعدم اتفاقهما على صيغةٍ لحل المشكلة، فإن الشعب السوري يدفع ثمن مطالبته بالحرية، كما يدفع النظام السوري بمزيدٍ من آلات الموت نحو صدور شعبه. وما بين أمريكا وروسيا ضاعت سوريا. ويبدو أن النظام السوري «ليس حزيناً» بهذا الخلاف بين واشنطن وموسكو، ما يعني له استمرار وجوده، ومحاولته كسر شوكة الثورة، والتمسك بمقاليد الأمور، مهما كلف ذلك من ضحايا في النفوس، ومن دمار في البنى التحتية للمدن والبلدان السورية، ومن مساسٍ بكرامة الشعب السوري. لذلك فإن النظام يستخدم القصف الجوي العشوائي على الأحياء السكنية ( كما هو الحال في حلب ودرعا وإدلب)، بغية إرهاب الثوار، ومنع الشعب من الانضمام إلى الثورة. ولكن فيما يبدو أن هنالك اتجاها دوليا نحو القضاء على هذا النظام مهما كلف الأمر!. وهذا يجعل حسابات النظام غير دقيقة في المستقبل القريب. وفي الوقت الذي يسقط فيه مئات القتلى والجرحى يومياً نتيجة القصف الجوي، فإن الدبلوماسية الأممية ما زالت متفائلة. فبعد أن ألقى (كوفي عنان) سيف الدبلوماسية، تم تكليف الدبلوماسي العربي (الأخضر الإبراهيمي) للتوسط بغية إيجاد حلٍ للأزمة في سوريا. ولا نعلم إن كان (الإبراهيمي) يمتلك العصا السحرية كي يقوم برميها لتأكل أفاعي النظام في سوريا!؟ أم إنه سيحاول – كما حاول غيره في قضية خاسرة – ويعود خالي الوفاض إلى مجلس الأمن والجامعة العربية!؟. النظام السوري أبدى تفاؤلاً بإمكانية نجاح (الإبراهيمي) في مسعاه، شرط أن يُقنع الغرب والقوى الإقليمية بالتوقف عن دعم «الجماعات المسلحة « بالمال والسلاح، كما أشارت صحيفة البعث السورية الصادرة يوم الإثنين (01/9/2012 ): «إن ذلك يمثل الأرضية الصالحة لإنجاح مهمته». ويبدو أن النظام السوري لم يدرك حتى الآن أن ثورةً عارمة تجتاح البلاد من أقصاها إلى أقصاها، وأن الوقت – مهما طال – فإنه لن يكون في صالح النظام أو سلامة رموزه. وهو نفس الموقف الذي شهدته أنظمة عربية أخرى كانت تتمتع بترسانة أمنية وعسكرية، إلا أنها سقطت وتهاوت أمام إصرار الجماهير. هل ستكون سوريا استثناءً؟! وهل ستكون هنالك رجعة بعد قَتلِ النظام عشرات الآلاف، وتشريد مئات الآلاف إلى دول الجوار، بعد أن دكت طائرات النظام منازلهم وبلداتهم!؟ ثم كيف سيعود المواطنون السوريون المجروحون بفقدانهم عائلاتهم ليتعاونوا مع النظام؟ وهل سيكون لديهم الاستعداد للعمل ضمن نظام شرّد أهلهم، وقتل أطفالهم وشيوخهم، وهدم بيوتهم!؟ الإشكالية أن النظام يواجه الشعب؛ وليس غزواً أو احتلالاً خارجياً !؟ والشعب هو صاحب الأرض، أو يحاول أن يكون صاحب الأرض بعد أن ظل دهوراً «أجيراً» عند النظام! والنظام يصرّ على أنه يملك الأرض ومَن عليها، ومن هنا تصح مقولة (الراعي والقطيع). وهذه هي المعادلة الصعبة التي تفرّق بين رغبة الشعب وإصرار النظام. نحن نعتقد أن الأزمة مؤهلة لأن تحصد مزيداً من الأرواح، وأن النظام لن يتراجع، لأنه في النهاية لن يخسر أكثر مما خسره من سمعةٍ وشرعيةٍ وتنديد دولي بالمجازر التي ألحقها بشعبه. كما أن «الاستثناء السياسي» لا يأتي عبر أجساد الأطفال والشيوخ، ولا عبر هدم منازل الآمنين، وتشريد أبناء الشعب إلى العراء.