عجيب أمر الليبراليين واليساريين ومن يدعون أنهم يمثلون “القوى المدنية” في المشهد السياسي المصري. ومبعث العجب هنا أن كثيراً من سلوكياتهم لا تنتمي إلى المدنية التي يطمحون إليها بأقوالهم فقط، بل إن كثيراً من أقوالهم أيضاً لا تنتمي للفعل الحضاري بشكل عام، الأمر الذي لا أقول يفقدهم احتمال التعاطف مع الشارع المصري، بل يستعدي بوضوح هذا الشارع الذي في إطار سعيه إلى الاستقرار لا يرضى بغير المنطق السليم في الحكم على الأشياء، ولا تخدعه الشعارات البراقة مهما كان مصدرها أو المتشدق بها ما دامت تتصادم مع القناعات المبدئية المتفق عليها مجتمعياً ، التي تقبلها عقول البسطاء وعقول النخبة في آن واحد وتتجلى مشكلة هذه “القوى المدنية” في السعي الحثيث لإفشال كل مشروعٍ من شأنه أن يحقق الاستقرار المجتمعي المنشود، وعلى رأس هذه المشاريع إعداد الدستور الجديد وعرضه على الشعب المصري للاستفتاء على قبوله من عدمه، ولأن هذه القوى الليبرالية واليسارية لا تملك رصيداً حقيقياً في الشارع المصري، ومن ثم تدرك جيداً أن الدستور حال عرضه على الشعب ستتم الموافقة عليه، اختاروا طريقاً آخر للانقضاض على هذه الشرعية وهدمها قبل أن تبدأ، تارة بمطالبة أحد الليبراليين بتدويل الدستور المصري باللجوء إلى المحاكم الدولية لتتولى هي إعداد دستور مصر نيابة عن الشعب المصري؟، وتارة أخرى بالتهديد بالانسحاب من الجمعية التأسيسية المكلفة بإعداد وكتابة الدستور، لتتشكل جمعية تأسيسية أخرى، ومن ثم تظل مصر شهوراً أخرى عاجزة عن التقدم للأمام ولو خطوة واحدة؟. والحقيقة أنه في غمرة البحث عن دور سياسي نسيت هذه “القوى المدنية” أن أهم المبادئ التي تقوم عليها الدولة المدنية التي يريدونها هي: الديمقراطية، والديمقراطية تعني ببساطة الاحتكام إلى رأي الأغلبية؟ فماذا يفعل هؤلاء وهم يدركون جيداً أنهم أقلية؟ للأسف الشديد لم يحاولوا أن يلتحموا بمشكلات الشارع الحقيقية، أو أن يقدموا حلولاً لما يرونه من معاناة تؤرق مضاجع الغالبية العظمى من الناس، وإنما راحوا يطلقون الشائعات هنا وهناك للتأثير على الغالبية التي تلتف حول القيادة المصرية الجديدة، الأمر الذي جعل الرئيس محمد مرسي يكرر في خطبة الجمعة الماضية قوله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا…” أكثر من خمس مرات، وتلك هي لغة العقل والمنطق التي يفهمها الجميع، فضلاً عن أنها أمر إلهي مُلزِم، بتحري الحقيقة وعدم الانجرار خلف شائعات مغرضة لا هدف لأصحابها سوى محاولة البناء على أنقاض الآخر، بما ينذر بإفلاس حقيقي كانت أهم ثماره ازدياد شعبية الرئيس المصري وحزب الحرية والعدالة! ووقوف قيادات التيارات المدنية بقدم واحدة على حبل السيرك السياسي في انتظار المصير الحقيقي: السقوط! وهنا سيزول العجب، وستفيق “القوى المدنية” على واقعها المؤلم، ولكن بعد فوات الأوان!.