ينصرف ذهن كثير من السامعين عند سماع كلمة «العيادة» مباشرة إلى غرفة الطبيب التي يمارس فيها الكشف على مرضاه، ومعاينتهم، وقد ينصرف ذهن بعضهم –وأكثرهم من النساء- إلى مكان آخر يمارس فيه من امتهنوا الرقية، وأعدوا لها أماكن خاصة، وأطلقوا عليها -مجازاً– اسم عيادة، فوقع بعضهم -أثناء الممارسة- في مخالفات شرعية كثيرة، وأخل كثير منهم ببعض الثوابت، واستحل آخرون أكل أموال الناس بالباطل -كما يقول كثير من العلماء المعتبرين- ولكن المقصود هنا هو «عيادة المريض» أي زيارته كحق للمسلم على أخيه -سواء كان مرضه بدنياً أو نفسياً-، وسميت بذلك لأن الناس يعودون إلى المريض الذي يحبسه مرضه عن شهود الناس مرة بعد أخرى، ومن الدعاء للمريض قوله صلى الله عليه وسلم: (لا بأس، طهور إن شاء الله)، وفي هذا الدعاء بشرى للمريض بحصول الشفاء والتعافي، وفيه تهوين عليه فيما يجد من ألم ، وتطييب لنفسه، ولقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم غلاماً يهودياً في مرضه، ودعاه إلى الإسلام -بحضور والده الذي حثه على طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم- فأسلم وهو على فراش الموت، فكانت تلك العيادة سبباًَ في فلاحه. إن للعيادة آداباً كثيرة يجب الالتزام بها واحترامها، ومنها: أن المريض لا تتم عيادته كل يوم؛ لأن ذلك يثقل عليه، فالمريض -سواء كان في المستشفى أو في بيته- يحتاج إلى الراحة التي تُسهم في سرعة شفائه، وقد يأنس برؤية بعض الأصدقاء أو الأقران، ويسعد بوجودهم حوله، ويشق عليه انقطاعهم عن عيادته، وتترتب على هؤلاء -بصفة خاصة- مسؤولية كبيرة في عيادته بالقدر المناسب، والتنسيق فيما بينهم لما فيه مصلحته، وعليهم أن يحرصوا أن تكون العيادة خفيفة حتى لا يرهقوه أو يشقوا على أهله، فالمريض قد تمر به أوقات يتألم فيها ألماً شديداً أو تمر به حالات شديدة من الإعياء، أو تحدث منه أفعال لا يحب أن يراه عليها أحد؛ فيتسبب له بعض العائدين -ممن يطيلون الجلوس عنده- في الحرج، ومضاعفة الألم، وإرهاقه بالأسئلة المتكررة، وهو في حال استثنائية يحتاج فيها إلى الراحة والسكون، ويجب على العائد أن يراعي حال المريض الصحية، والنظر إلى مصلحته التي يقررها الطبيب، وأن يحترم النظام العام للمستشفى، ولا يسبب حرجاً أو مضايقة للعاملين فيه، ويلتزم بالتنسيق مع أهل المريض أو الاتفاق معه إن كان قادراً، وعليه أن يراعي في العيادة ما يراعيه في الزيارة من اختيار الوقت المناسب لظروف المريض وأهله، والبُعد عمّا يجلب المشقة لهم، ومن ذلك تكرار العيادة التي ترهق المريض، وتُسهم في معاناته أو زيادة مرضه، أما إذا كان المريض في المستشفى فإن الأوقات -في الغالب- تكون محددة، لكن هناك من يتجاوزها فلا يخرج إلا وقد سبب إحراجاً للمريض، وإزعاجاً لغيره من المرضى، ومعاناة للعاملين في المستشفى -خاصة المسؤولين عن الزيارة– حيث يأتي في غير مواعيدها المحددة، ومن الأمور التي ليست في مصلحة المريض -مطلقاً- عيادته عندما يكون في العناية المركزة. ينظر بعضهم إلى عيادة المريض بأنها موقف يجب تسجيله مهما كانت المحاذير أو الأضرار المترتبة على ذلك، فلا همّ لهم إلا توثيق حضورهم -دون مراعاة لحال المريض أو أهله أو نظام المستشفى أو المصلحة العامة– إن هؤلاء يوجدون الفوضى حيثما حلّوا، فمنهم من يحدث ضجيجاً مدوياً في الممرات أثناء الدخول، وجلبة عند الخروج، ومنهم من يوجه أسئلة محرجة للمريض، ويطيل المكوث عنده -وربما يُسهمون في تقليل كمية الأكسجين في الغرفة عند اجتماعهم- ويتقمص بعضهم دور المراسلين المباشرين -من غرفة المريض- فيقومون باتصلات هاتفية بكثير من معارفه، فيرهقونه بها -رغم معاناته- ويفرضونها عليه. وقفة: تساهلت بعض المستشفيات الخاصة في مواعيد عيادة المرضى وإطالتها، وأسهم بعض المسؤولين في المستشفيات الحكومية في تسهيلها في غير مواعيدها، فأحالوها إلى فوضى تتطلب تدخلاً لعودتها لتكون فضيلة.