يمثل تصريح رئيس ديوان المظالم عبدالعزيز النصّار حول محاسبة القُضاة تأكيداً لمبدأ العدل الذي تقوم عليه هذه الدولة المباركة. النصّار قالها، بوضوح «إن القضاة معرّضون للمحاسبة والمساءلة متى ما تمّ اكتشاف أخطائهم». وهذا يؤكد بحسب النصار نفسه أن القضاة «غير محصنين في تصرفاتهم الشخصية». ولا جدال في أن للقاضي مكانته وقيمته بوصفه مؤتمناً بدقة على حقوق الناس، وتبقى أحكامه محلّ احترام، حتى وإن لم تُرضِ أطراف قضية من القضايا. وهناك تنظيم لآليات الاعتراض الطبيعية التي تعرفها الأنظمة القضائية في جميع بلاد العالم، وبلادنا ليست حالة مختلفة فيما يخصّ الاعتراض على القضايا واستئنافها متى ما وجد طرف من أطرافها أنه لم يحصل على حقه. احترام القضاء مبدأ لا شك فيه، واحترام ما ينتج عن النظر في القضايا مبدأٌ مماثل. لكنّ هذا الاحترام لا يتعارض مع مبدأ محاسبة القضاة في حال صدر عنهم جورٌ، لا سمح الله، أو مالوا بتصرف شخصي نحو منطقة غير منطقة العدل. وتصريحات النصار دقيقة وواضحة، وينبغي أن تُفهم كما هي في سياقها. فالحصانة ليست شخصية، وشخص القاضي لا يُخلط بشيء آخر. والذين يتحرّون الموضوعية يفرّقون دائماً بين الموضوع وبين الواضع. فالموضوع هو أصل النقاش ومكان قابل للاختلاف والمعالجة المضبوطة بالتنظيمات. فالحكم في قضية ما هو الموضوع، وهناك آليات للاعتراض عليه واستئنافه والبحث عن حُكم آخر يراه طرف من أطراف القضية سبيلاً للحصول على الحق. أما القاضي فهو الواضع، أي الشخص الذي يتعاطى مع الموضوع. والواضع طبقاً لمضمون ما ذكره للنصّار لا يملك حصانة لذاته ولا لشخصه ولاسمه، ولا يُعفيه منصبه وموقعه من أن يكون عرضة للمساءلة ومن ثم المحاسبة في حال ثبوت أخطاء. هذا المبدأ ينسجم مع «إنما يُعرف الرجال بالحق» لا «أن يُعرف الحق بالرجال». والأنظمة التي أقرّتها هذه الدولة المباركة تضع ضامناً لهذا المبدأ الذي يُعطي لكل ذي حق حقه بالطرق الأقرب إلى التدقيق والتريث في بحث كل قضية يمكن أن تنشأ جراء خلافات المتخاصمين. وأسس التقاضي الشرعي في المملكة واضحة جداً، وتطبيقاتها واضحة أيضاً. ومن حق المتخاصمين أن يقولوا ما يرونه في أي حكم يصدر ويطالبوا بمراجعته من قبل جهة أعلى ليس للقاضي صاحب الحكم يدٌ عليها ولا تأثير فيها. لا أحد فوق المساءلة، لا أحد فوق المحاسبة.. شريطة أن يثبت الخطأ.