الحلم من الوسائل الجميلة التي تجعلنا نعيش بعض السعادة، حتى لو كانت هذه السعادة مُزيفة، وما زلنا نحلم ونتمادى في أحلامنا لأن الأحلام مازالت مجانية ولم تُفرَض عليها رسوم بعد. يتوسد الكثير من الشُبَّان والشابات وسائد حُشيَت بأحلامهم وآمالهم التي يركضون خلف تحقيقها دون علمٍ منهم هل هي قابلة للتحقيق أم لا؟ وبما أنني شابٌ سقط رأسي على هذه الأرض المباركة، وترعرعتُ في أزقتها وحواريها، وتسلّقت بعض أشجارها، و(شقحتُ) بعض أسوارها، ليس بهدف السرقة، بل لأنني كنتُ أنسى المفاتيح منذ صغري داخل المنزل، وبما أنني مشيت حافياً في أحيائها صغيراً حتى جُرِحَت قدماي مراراً إما بفعل مسمارٍ بارزٍ أو زجاجةٍ مُستلقيةٍ أنا أتحدث الآن. وبعد كل صفحات الطفولة المُمَزّقة، كبِرتُ وكبرَتْ معي أحلامي الخاصة وأحلامي المشتركة أيضاً، التي أتشاطرها مع أبناء وبنات وطني، التي خطّطتها ونسجتها منذ صغري، والبعض منها رافقني حتى اشتدَّ عودي، والبعض تخلى عنيّ قبل ذلك، والبعض الآخر تخلّيت أنا عنه، واسمحوا لي أن أسرد عليكم بعضاً منها: أحلم بذلك اليوم الذي تتكافأ فيه فرص المواطنين، ويُقطع دابر الواسطة ويتم درء المحسوبية ودحر القائمين عليها، ويكون المعيار الحقيقي للتفاضل هو الكفاءة. من أحلامي أيضاً أن تُشطَب من قواميسنا مفرداتٍ مثل: شيعي، سني، رافضي، ناصبي، وهّابي، جيزاني، قصمنجي.. وأسئلةٍ مثل: وش أنت من لحية؟، وش ترجع له؟!، من أي فخذ؟ ومن أي قبيلة؟ شيعي أم سني؟ بدوي أم حضري؟ وأن تكون مظلتنا المواطنة وأرضنا الوطن. أيضاً أحلم أن نتخلص من داء الاستجداء الذي نتقمَّصه لقفز أسوار النظام وعباراته المقززة مثل : فزعتك ، تكفى يا بو...، طلبتك، قل تَم، داخلٍ على الله ثم عليك، التي تستخدم في أوقاتٍ كثيرة في غير مواضعها الصحيحة! هناك حلمٌ مهمٌ سأسرده قبل أن يباغته النسيان، وهو ألّا أرى ابنة بلدي في خلوةٍ دائمة في أوقات اليوم المختلفة مع سائق أجنبي وَفَدَ إلى بلادنا دون أن نعرف أصله من فصله، وما هي سلوكياته وما سيرته! ونراه يجوب بها الشوارع ويتجوّل بها في الأحياء ويقطع بها الطرق السريعة من مدينةٍ لأخرى، بل إن تأخذ حقها في قيادة السيارة بنفسها والتحرر من هواجس التحرّش والمضايقات والاغتصاب مِنْ قِبَل السائقين التي لا تبرح خيالها! أما الحلم الأخير، فهو أن تتم محاسبة كل مقصِّرٍ، ومعاقبة كل فاسدٍ، والتشهير بكل ساطٍ على المال العام، فعندما نصل لهذه المرحلة لن يأمن الفاسدون العقوبة، وبالتالي لن يسيئون الأدب.