لم يكن من الضروري أن تمر مناسبة اليوم الوطني، وكأنها نسخة محسنة من العام الماضي أو الذي سبقه، أو كأن الجديد فيها أن يُضاف للمناسبة يوم إضافي، يسافر فيه العيال إلى دبي أو بيروت أو مصر. كشعوب الله، فإننا نحب هذه الأرض التي خُلقنا عليها. لقد وُجدنا هنا وبالقرب منا ولدت أحلامنا وبنينا هنا ذكرياتنا، وتشكلّت حياتنا، وصنعنا أياماً لنا ولأبنائنا ولأجيالنا اللاحقة، نستكين في ظلالها ونحلم بما لم نبلغه ونسهم في صناعته، وعلينا، في مثل هذا اليوم، أن نحيي ذلك اليوم الذي أصبحت فيه ديار الجزيرة داراً واحدة، يتساكن فيها الغرباء والمتقاتلون ويغلّبون فيه الوطن على مطامحهم العصبوية والقبلية الضيقة والقصيرة النفس. علينا جميعاً أن نصارع فكرة التشرذم والانشقاق، وأن نطمح إلى دولة المساواة. لكنني أقول إن ما شاهدته خلال هذا اليوم التاريخي على التلفاز وفي الواقع لا يرتقي إلى نبل هذه المناسبة. أغان ورقصات وأهازيج شبابية أو أناشيد أطفال يتم بثها وتكرارها دون سأم على القنوات. هل يعتقد القائمون على التليفزيون أن المواد الأرشيفية، وما يسمّى بالأغاني الوطنية التي يتم إطلاقها دوماً بلا مقاييس كفيلة بإحياء هذا اليوم؟.. بعض تلك الأغاني بلا خيال شعري أصلا. حاولت أن أتابع ما يقوله الشباب والمواطنون عموماً أمام العدسات عن يومهم الوطني، لكنني أعجب لأنهم لا يقولون شيئاً، ويعلكون جملة من “الكليشيهات” والعبارات التي سبق لهم سماعها في الأجهزة المرئية مئات المرات. تلك العبارات تسمع في الأعياد والمناسبات دون أن يتقدم مخرج أو معد تليفزيوني ذكي فيوقف سيلانها دون أن تمنحنا أي معنى. لماذا لا يقف طالب ليهنئ أمته بالمناسبة ثم يتبعها بأنه يحلم بدراسة منهاج تعليمي يقوده إلى جامعة أوكسفورد، أو يقوم شاب آخر فيهنئ ثم يتحدث أن حلمه أن يتقلص الفساد في دائرة عمله مثلا. حتى الأطفال لا يعبرون عما يعرفونه ويحبونه، بل يرددون بضع كلمات وشعارات، تلقنوها من الكبار، فهي أعلى من مداركهم بكثير..! أعتقد أن هناك حاجة حقيقية إلى جعل هذا اليوم يوما للمواطن يتحدث فيه بشفافية إلى رموز الدولة من أمراء ووزراء ومسؤولين عن همومه واحتياجاته ونقده لما يراه من إخفاقات أو علائم فساد. ألسنا بهذه الطريقة نجعل المواطن أكثر قرباً من وطنه ؟!