الدمام – الشرق مُخلص لدينه.. وضرب أروع الأمثلة في الحب والولاء عُرف عنه الدقة وتطبيق شرع الله في كل تعاملاته حريص على صلاة الفجر ولا يرضى بالتهاون في أداء الواجب يتفقد أحوال المواطنين ويلوم السجَّانين المقصرين سخيٌّ في العطاء ولا ينظر لمنصب مَن يطلب هبة غلاف مجلة «شرقية» (الشرق) نشرت مجلة «شرقية»، التي تصدرها إمارة المنطقة الشرقية، في عددها الأخير، تقريراً عن الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود، الذي كان واحداً من رجال الدولة المخلصين. ولأهمية هذا التقرير تعيد «الشرق» نشره، بالتزامن مع احتفالات المملكة العربية السعودية باليوم الوطني، كما جاء في عدد المجلة: كان الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي بن تركي بن عبدالله آل سعود، يرحمه الله، رجلاً من رجال الدولة المخلصين الذين حملوا أرواحهم على أكفهم في مسيرة بناء هذا الكيان الذي ننعم اليوم بخيره ونمائه. رافق المؤسس منذ نعومة أظفاره، وربط بينهما أكثر من أواصر الدم والقربى، فكان الهدف السامي باستعادة ملك الآباء والأجداد حلماً يرتسم في مخيّلة كل منهما، يعدّان الأيام والليالي حتى تعود الحقوق إلى أصحابها، ويبدآن في مسيرة وحدة عربية إسلامية أصيلة، تحت لواء المؤسس جلالة الملك عبدالعزيز، يرحمه الله. قال عنه الملك المؤسس «أنا وعبدالعزيز واحد، وإذا قال في أمر فإنه قولي». النسب والنشأة الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي بن تركي بن عبدالله آل سعود هو ابن عم الملك عبدالعزيز، وُلد عام 1305ه في الرياض في شهر ربيع الأول، وعاش يتيماً بعد مقتل والده في معركة «حريملاء» في نهاية الدولة السعودية الثانية سنة 1309ه. أبناؤه صاحب السمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود أمير منطقة الحدود الشمالية. صاحب السمو الأمير جلوي بن عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود نائب أمير المنطقة الشرقية. سيرته رحل عام 1309ه مع الإمام عبدالرحمن بن فيصل بن تركي آل سعود إلى الكويت، كما شارك مع الملك عبدالعزيز في حروبه كلها، بدءا من معركة فتح الرياض سنة 1319ه، حيث كان أصغر المشاركين في فتح الرياض سناً، وحتى تمَّ تأسيس المملكة العربية السعودية سنة 1351ه، وعيَّنه الملك عبدالعزيز أميرا لمنطقة القصيم سنة 1339ه، وهو أول عمل إداري أسند إلى سموه، ثم ضمَّت منطقة حائل بعد مساهمته في ضمِّ المنطقة وإنهاء حكم أميرها آل رشيد سنة 1341ه. كما كان قائد جيش الملك عبدالعزيز في ضم عسير للحكم السعودي سنة 1338ه، وعُيِّن قائداً للجيوش المتوجهة لحلاب الإدريسي بجنوب البلاد (جازان) سنة 1351ه. بقي حاكماً لحائل حتى عام 1391ه، وتوفي في ليلة السبت الأول من شهر ربيع الأول عام 1397ه، ودُفن بجانب قبر المؤسس، رحمهم الله جميعاً. الأمانة والمسؤولية الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي، رحمه الله، رجل علم وحكمة وإدارة، كان في أعماله الإدارية يعتمد على نفسه، فلم يكن يعتمد على كُتابه ومساعديه، بل يقوم بنفسه بالإجابة عمَّا يرده من كُتب وبرقيات من الملك، أو أمراء المراكز. أما ما كان يرد إليه من كُتب من بعض أفراد حاشيته، أو من عامة الناس، وفي طياتها أمور شخصية، فإنه لم يكن يطلع عليها أحدا حتى كبار موظفيه، بل كان يحتفظ بها ويردُّ عليها بما يراه، حرصاً على كرامات الناس وأسرارهم، فقد كان، رحمه الله، شديد الحساسية من هذه الناحية. وكان لا يغفل أي رسالةٍ ترد إليه، حتى لو كانت من عامة الناس، فقد وصلته رسالة وهو في الرياض بعد تركه العمل من امرأة يُقال لها سلمى، وهي عجوز في السبعين تقول له: لقد وهبتم فلاناً أرضاً أمام بيتي، وفيها مضرَّة عليّ. اهتم سموه بهذا الأمر، وكتَب إليها: مِن عبدالعزيز بن مساعد إلى سلمى.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد، كتابك وصل، وتذكرين أننا أعطينا أرضاً أمام بيتك، وأن فيها مضرَّة عليك. معلوم أنني لم أهب أي شخص منذ تولّيت الولاية إلا وأذكر في هِبتي هذه العبارة (إلا إن كان على أحدٍ في ذلك مضرَّة، أو دعوى شرعية، فمردُّ الجميع إلى الشرع). وأنتِ اعرضي كتابي هذا على أمير البلاد (الابن سعد)، أو على قاضي البلد، فيحضرون ورقة الهبة، ويحكِّمون الشرع فيها، وكانت هذه عادته، لم يهب أحداً شيئاً إلا استثنى، وقال: «إلا إن كان على أحدٍ في ذلك مضرة، أو دعوى شرعية فمردُّ الجميع إلى الشرع». قصته مع الفيصل وفي عام 1377ه، كان الملك فيصل، ولي العهد آنذاك، في رحلة صيد في نواحي حائل. فقابله سمو الأمير عبدالعزيز بن مساعد للسلام عليه في «الفغانة»، وهي محل في الغبية جنوب حائل، وأمضى ليلته عنده. وبينما كانا يتسامران سأله الملك فيصل عمَّا لاحظه من أنه عندما يردُّ على مكاتباتهم في مستهل الردّ خلاصة الكتاب، أو البرقية الواردة إليه، ثم سأله عن السبب في ذلك، فقال سموه: إنني أفعل ذلك متعمِّداً، فإن كنتم قد قلتم ما وردني عنكم قد تبلغته، وإن لم تكونوا قلتموه فأنا أحيطكم علماً لتفيدوني بما ترون، لأن كثيراً من الكُتاب يتصرَّفون في تحرير الخطابات على هواهم، أو يغيِّرون ويبدِّلون فيها كما يشاءون، ومنعاً لذلك، واحتراساً منه جريتُ على هذه العادة، فسُرَّ الملك فيصل كثيراً. ونادى كاتبه محمد بن نويصر، وأعاد على مسامعه مقالة الأمير مثنياً عليها. تفقد أحوال المواطنين وحول عمله الإداري في منطقة حائل، كان سموه دائم التفقد لشؤون المناطق التي يديرها، فكان يخرج في رحلاته التفقدية، فيمكث في الرحلة الشهر والشهرين، حتى أنه في بعض السنين لم يكن يقيم في حائل سوى شهرين فقط، وباقي المدة أمضاها في رحلاته التفقدية، ومعه كُتابه وموظفوه ومرافقوه. الكرم والإنفاق لقد كان «يرحمه الله» على الدوام يأمر مستخدميه وموظفيه بالاعتدال في المصروفات، ويدقق في ذلك كثيراً، وينتقد الإسراف والتظاهر بالبذخ. ولكنه كان في الأمور التي تستوجب الصرف الكثير وتستدعي الكرم والبذل كريماً جواداً معطاءً، فيعطي في الإنفاق على ذلك، أما في الأمور التي لا تستوجب الصرف فلم يكن يسمح بصرف أي مبلغ مهما كان تافهاً إلا بعد اطلاعه وعلمه. وكان شديد العناية بما تحت يده من معدات ولوازم، كالسيارات، والخيام، والسلاح، فكان كل شيء مقيداً وموضوعاً وفق نظام معيَّن. وكان من وقت لآخر يتفقد ذلك ويسأل عنه. وكان في إنفاقه وعطاياه وهباته لا يؤمن بالمجاملة. فلا يعطي إلا لمستحق، ولا ينفق إلا في واجب أو لازم، أما الإنفاق من أجل أن يُقال عنه إنه كريم مفضال، فهذا شيء لم يكن يؤمن به، ولم يكن يوليه اهتمامه. ولذلك فجميع العاملين معه في نظره سواء، فلو طلب منه أحدهم فرساً، أو سيارة، أو شيئاً أعجبه، فإما أن يعطيه إياه وإما أن يقول له: لا، طلبه فلان. وقد يكون فلان هذا أقل شأناً، أو منصباً، أو رتبة، فالكاتب، وزمال الخيل، وسائق السيارة، عنده في الحقوق سواء. العدل والمساواة لقد كانت المساواة إحدى دعائم معاملة سموه لموظفيه ومستخدميه. وكان يرى أن أهم دعائم النظام هي هيبة الحاكم في نفوس المحكومين؛ لذلك لم يكن يسمح بأن تجرى بحضوره مناقشات ومجادلات عقيمة، أو خارجة عن الأدب والاحترام، ولم يكن يسمح للعاملين معه بالتردُّد على الناس وقبول دعواتهم خشية استغلال مراكزهم، أو خشية أن يطمع فيهم ذووهم، أو أقاربهم، ولم يكن للوافدين عليه مجال يسمح لهم بقبول الهدايا، أو تلبية الدعوات، ما داموا في ضيافته. لقد كان يرى أن المسؤول يجب أن يحفظ مركزه من استغلال الآخرين له مهما كانت صلتهم، أو قرابتهم. وكان يرى أن المسؤول يجب أن يعرف كل صغيرة وكبيرة مما تحت يده من الأمور، وأن العاملين معه لا ينبغي أن يُصدر أحدهم أمراً من قبله دون الرجوع إليه مهما كان الموضوع بسيطاً أو تافهاً. وكانت هيبته تقع فقط في قلوب المجرمين والمتعدِّين والمدَّعى عليهم، أما المتظلمون وأصحاب الحاجات والقاصدون فقد كان كل وقته من قبل شروق الشمس وحتى ساعة متأخرة من الليل ملكاً لهم، يفتح لهم ذراعيه وقلبه لحل مشكلاتهم، ورد ظلاماتهم، وقضاء حاجاتهم. حتى السجناء كان دائم التفقد لأحوالهم، والتأكد من أن أكلهم وشربهم يجري كالمعتاد وفق ما يأمر به، وأنهم لا يتعرَّضون في سجنهم للأذى والمضايقة، وكثيراً ما تناول السجانين باللوم والتأنيب لتقصيرهم في رعاية السجناء. وكان موضوع حفظ الأمن واستتباب النظام أمام عينيه دائماً لا يغفل عنه ساعة من ليل، أو نهار. فكان يتفقد القصر كل ليلة، وقد تقلد سيفه، وفي إحدى الليالي مرَّ ببواب قصره فوجده نائماً عند الباب، فأخذ المفاتيح من تحت رأسه ومضى لشأنه. وعند الفجر جاء الشيخ عبدالرحمن البراك، إمام مسجد القصر، على عادته للصلاة وكأن شيئاً لم يحدث، وحين دخل وقت الصلاة أمر بإقامة الصلاة، وأمَّ الناس، ثم سأل عن ابن براك، وعن عدم حضوره بين يديه، وسأله عن المفاتيح، فلم يجد جواباً، ولم يعرف كيف أُخذت منه. عندئذ أدَّبه سموه، وعاقبه عقاباً تعلَّم منه فيما بعد كيف يحرص على المفاتيح. وقال له: هذه المفاتيح أخذتها من تحت رأسك وأنت نائم، فلو أن سجيناً أراد الهرب، أو أن عدواً أراد اقتحام القصر، لما استطعت أن تفعل شيئاً، وفي هذا خطر كبير على الأمن وضبط النظام، فلا تعُد إلى مثلها. التواصل مع المواطنين وكان من عادة سموه في كل عام أن يخرج إلى (أبو عز)، وهي بئر ماء تردها الخيل، وتقع على بُعد ثلاثين كيلو متراً جنوب حائل. وكان يقصد سموه أثناء وجوده هناك كبار أهل حائل، حيث ينعمون بقضاء وقت ممتع في ضيافة سموه. ويروي ناصر بن مبيريك أن فهد البريدي حدَّثه فقال: خرجت مع سمو الأمير إلى (أبو عز). وكان روتين العمل عنده لا يتغيَّر في جمعة، أو عيد، سواء أكان في المدينة، أو في البر، فكل أيامه عمل متواصل لا ينتهي، وأينما خرج معه كُتَّابه وموظفوه، فكأنهم في دوام متواصل. وكان يخاطب الذين يتجاوزون النظام، أو ينحرفون عن جادة الصواب، أو يسيرون مع الهوى، بمنتهى الحزم والشدة، وكانت كتاباته لهم تصل إلى حد التوبيخ والتقريع الشديد، مهما كانت منزلة المخاطب، ومهما كان مركزه، فقد كان لا يُجامل في الحق، بل كان يقول الحق مهما كان مُرّاً. وعلى الجملة، فقد كانت هذه وقفات قصيرة عند بعض المواقف في حياة سموه الإدارية، وهي دروس وعِظات وعِبر في حُسن المعاملة والإدارة، والإيثار والسير مع الحق بنزاهةٍ وتجرّد؛ لإقامة العدل بين الناس. وهي دروس بليغة في سعة الصدر والحلم، والرغبة الصادقة في تحرِّي الحقيقة؛ لتكون أحكامه بموجبها دون أن يكون للمشاعر الدفينة الخاصة والذكريات القديمة الشخصية أي نصيب من التأثير على عدالة الحُكم ونزاهته. الأمير عبدالعزيز بن مساعد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز الأمير جلوي بن عبدالعزيز