أطلت علينا ذكرى عزيزة، تستمد عزتها من منظورنا إليها، فهي ذكرى وتذكرة، ودروس وعبر، إنها ذكرى اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية، موطننا الذي نحبه جميعا، ومحبته منزلة عالية يتفاوت الناس في رقي درجاتها، ومن حقق شرط محبة الوطن رقى وارتقى عند الله، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه ولم يرق به الجهر بحبه للوطن مهما علا صوته.يا لها من ذكرى مشحونة بالمشاعر والألوان والتأملات، ذكرى تمثلها رموز ملهمة تحيط بنا، فتهيج المشاعر الصادقة، وتشحذ زناد الفكر. علم أخضر يرفرف عاليا شامخا خفاقا، وأعلام الأمم -كما نعرف- رمز لوحدتها وتاريخها وعزها وسر وجودها وكينونتها، ولكل علم قصة رمزية وتفسير وإيحاءات، أما علمنا -والحمد لله وحده- فقد تعالى على الرمزية المعقدة في صوره وألوانه وأشكاله، وأبى إلا أن تكون رسالته صريحة واضحة: لا إله إلا الله محمد رسول الله، والعيش الرغيد في الصورة المباشرة للنخلة السامقة المثمرة يحرسه سيفان مشهران: سيف القرآن وسيف السنة.ما أجمل رسالة العلم السعودي، رسالة عالية سامية لها سند عال متصل رواها الصحابة العدول عن النبي الرسول عن الروح الأمين عن رب العالمين وخالق الخلق أجمعين، رسالة العلم تطالب رافعها -قبل الناظر إليها- بالدليل والبرهان كائنا من كان، فهي حجة لنا إن عملنا بمقتضاها، وحجة علينا إن دلسنا وحدنا عن دربها وهداها، رسالة إلهية السند تذكرنا جميعاً في اليوم الوطني- وفي كل يوم- أن سعادة المملكة تحت هذه الراية، في الرخاء والعسر، والمنشط والمكره، والمغنم والمغرم، وفي الشتاء والربيع، وكل الفصول والأحوال، رسالة تذكرنا بمقامها وعلوها أن دين الإسلام الحق- متمثلا في شهادته المنجية- هو أهم وأغلى، وأكبر وأعلى، وأسلم وأقوم من كل حظوظ نفوسنا الصغيرة وشهواتنا الدنيوية الفانية، وهذا ما يميز مملكتنا الغالية.أما تزامن اليوم الوطني لمملكتنا الحبيبة مع أول يوم من فصل الميزان ففيه عبرة لا تخفى على الأديب الأريب، فالميزان رسالة تساوي في وضوحها وبلاغتها شهادة التوحيد في رسالة العلم، فالميزان -حقيقة ومجاز- يعني العدل والقسط والعدل والميزان الصادق أساس الملك الذي به صلاح الراعي والرعية، ميزان يعمله بأمانة كل فرد في مجتمعنا، والكل راع، وكل راع مؤتمن، وكل راع مسؤول ومحاسب عن رعيته، وهنيئا للعادل الذي يظله الله بظله، في يوم تدنو الشمس من الخلائق، يوم عصيب لا ظل فيه إلا ظله عز وجل، ميزان يعمله المواطن في بيته وأولاده، وفي عمله مع مراجعيه، وفي سوقه، وفي خاصة نفسه، ميزان يلزم به نفسه قبل غيره، ميزان عدل وصدق يعمله الحاكم والمحكوم.يستحثنا اليوم الوطني على الفرح المنضبط والفكر المتزن، ويدعونا إلى التأمل العميق، فلهذا اليوم مظاهر من رايات وأعلام مركوزة، وصور مرفوعة، وشعارات تستنهض الهمم، وهتافات وتهنئات وتبريكات نسعد بجماليتها وقيمتها.إنّ الحق الذي لا يختلف عليه العقلاء أن فائدة مدرسة اليوم الوطني لا تكمن في الهتافات واللوحات والاحتفالات والزينة والقصائد الرنانة، فكل هذا وقتي محدود الأثر سرعان ما يزول وينسى في خضم رتابة الحياة ووتيرتها المتكررة وتحديات العيش وتكاليف الحياة المرهقة، إن فائدة اليوم الوطني العظيمة أمر جلل لابد من تعليمه للمواطن لإنضاجه فكرا ومعنى وتطبيقا.إنّ اليوم الوطني يمثل مدرسة، وأي مدرسة، لابد أن نذكر فيها جميعا لنتعلم بجد، ونتذاكر بصدق معاني غالية على النفس: أهمها حب الوطن، وحقوق المواطنة وواجباتها، وسبيل عز الأوطان، وإعلاء شأنها، والعمل على حمايتها من كل شر.