في يوم الوطن، وأنا أنوي الكتابة عن وطني احترت، فلا أدري من أين أبدأ، ولا أين أنتهي، فرأيت أن أكتفي بالإجابة عن السؤال الكبير: (ما الوطن؟)- قدر المستطاع- فقلت: الوطن هو الرّحِمُ الذي يحملك بعد أن تضعك أمك، وعرضك الذي تموت دونه، ومبدؤك الذي لا تقبل المساومة عليه، وإرثك الذي لا ترضى بأن ينازعك عليه أحد، واسمك الذي تفخر به، ومعجمك الذي يحوي كل حروفك، وهويتك التي يُجمِعُ العالم على أحقيتك بها، وحقيقتك التي لا تقبل الجدل. ثم رأيت أن أختصر فأقول: الوطن هو اللغة المشتركة بين الإنسان والأرض، والتركيب المتبادل بينه وبين التراب. ولما رأيتني لم ولن أنتهي من الإجابة عن السؤال، طفقت أبحث عن وصفٍ لوطني بحسب ما أستطيع، فقلت: وطني رَحِمٌ.. للبعيدِ وللقريب.. لا فرق في أحضانِهِ بينَ ابنٍ أو ربيب.. مجده كالتبر يصقله اللهيب.. أرضه السمراء عرسٌ للصديق وللحبيب.. أهله كالفلِّ تعشقه الأنوفُ من الشروقِ إلى المغيب.. ومليكه: خُلُقٌ وطيب. ولما حان لي أن أفخر بوطني، جعلت أقول: وطني عَلَمي.. يعلو السواري نحو القمر.. يجرُّ عَصِيّ المعاني برسمِ الحروفِ ونقشِ الحجر.. يذودُ الحياضَ، يجوبُ السماءَ، يدوسُ الرمالَ ويبقي الأثر.. ويعدو فوق السحابِ، وفوق الجبالِ يَمُد النظر.. يقيم الحوارَ، يصونُ الجوارَ، ويحمي الحدودَ بلمح البصر.. سعوديٌّ أنا.. بدويُّ الخصالِ سليلُ الحضر.. سأرفعُ هامتي.. بين الشعوبِ وكلِّ البشر.