في معرض الرياض الدولي للكتاب وفي معارض الكتب المحلية في مختلف المدن سواء تلك التي تنظمها الجامعات أو الجهات المختلفة، تجد عدداً من روادها إذا مر على جناح لجهة حكومية أو شبه حكومية يبادرها بالسؤال هل الكتب للتوزيع المجاني؟ فإذا كانت الإجابة بالإيجاب أخذ منها المتاح دون تصفحه، وإذا كانت الإجابة بالنفي هزّ كتفيه وانصرف دون أن يتوقف عند الجناح، أي أنه لا يبحث عن الكتاب لرغبة معرفية أو حب في القراءة أو ما يوافق اهتماماته، كما لا يبحث عن مجانية الكتاب ليوازن بين إمكاناته المادية وقيمة الكتب المرتفعة نسبياً، وإنما يبحث عن تكثير عدد الكتب في أرفف مكتبته المنزلية كجزء من الديكور والزينة، وربما أخذها وألقاها في أقرب مكان متاح، وهذا الشيء ينطبق على بعض الزوار المدعوّين في المهرجانات والملتقيات حين توزع الجهة المنظمة كتباً على الضيوف مجاناً ويرحل الضيف تاركاً هذه الكتب في غرفته في الفندق أو على طاولة البهو ليجمعها عمال التنظيف ويلقون بها في سلة المهملات لأنه لا يريد أن يحمل في حقيبته كتباً لا تهمه أو لا تثير اهتماماته القرائية. إن سياسة التوزيع المجاني تبتذل الكتاب وتدفع به إلى من لا يريده أو لا توافق رغبته، وهي سياسة تظهر بشكل واضح في المطبوعات الحكومية أو المدعومة من جهات حكومية أو شبه حكومية حين يهتم مسؤولوها بإصدار الكتب وفيها كثير من العناوين القيمة والمهمة بطباعة فاخرة وورق صقيل ولا يهتمون بأمور التوزيع لأنهم لا يخشون من موضوع الخسارة، وسياسة التوزيع المجاني تكوّن انطباعاً عند الناس بأن المطبوعات الحكومية من كتب ومجلات ونشرات هدفها دعاية للجهة وليس الإسهام في التراكم المعرفي أو المعلوماتي، لأن أهداف النشر غير واضحة والفئات المستهدفة غير محددة وآليات التوصيل للمهتمين غير فعالة، والسبب هو أن هذه الجهات لا تدير مطبوعاتها بعقلية تجارية حتى وإن كانت غير ربحية وتنظر للمسألة على أنها نوع من المظهر الثقافي والإعلامي فقط، ودخلوا في صناعة لا يحسنونها، وأسهموا في تكوين الصورة السلبية عن المطبوعات الحكومية.