التجاوزات المالية في مختلف القطاعات الخدمية أمر يجب الوقوف ضده بحزم وردع، ففضائح التجاوزات والهدر في المال العام قد أزكمت الأنوف وغصت بها صفحات الجرائد، فأصبح الناس يتكلمون عن الفساد كأنه أصبح أمراً واقعاً. (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) مثال ينطبق على بعض من المسؤولين السابقين الذين كانوا قبل بضع سنين من المدينين فأصبحوا بعد ذلك من الدائنين فساروا مطبقين الآية الكريمة (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)، الرابط المشترك بين جميع الناهبين الواهبين هو مخافة الله حسب رؤيتهم فتجد دائما بناء المسجد الجامع هو أول المشروعات تعلوه لوحة رخامية (بني على نفقة سعادة الشيخ... إلخ)، ولم يدر بخلد كل من يصلي أن هذا المتمشيخ المالي هو موظف سابق كان واسع الذمة فأصبح بأموال المسلمين شيخا عليهم بعد أن كان موظفا يسعى لخدمتهم. لا تقف الأمور عند بناء المسجد بل هو البداية، فتجد هذا المسؤول اتفق مع بعض محرري الصحف على أسلوب للتلميع، فتجد صوره تطل علينا بصفة شبه يومية (تبرع الشيخ فلان، قرر الشيخ، بنى الشيخ.. إلخ)، فيخصص هذا المختلس أو ذاك بضعة ملايين للتبرع للجمعيات الخيرية للترويج لنفسه واسمه، وكأنه يظن أنه بتلك التصرفات سيطهر ذلك المال الذي أخذ بغير حق ولكنه نسي هذا الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ). وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ). ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له). حضرت مناسبة عزاء فدخل أحد المسؤولين السابقين مغترا بنفسه وفي طريقة دخوله محاولة لتفخيم نفسه، فالتفت إليّ أحد الزملاء وقال أليس هذا فلان وكان في إدارة... قلت نعم هو، فرد قائلا (والله زمن..! مختلس الأموال تفتح له صدور المجالس!). يجب على الدولة أن تفرض قانون إقرار الذمة المالية لأي موظف حكومي كبير للوزير ونائبه ووكيل الوزارة والموظفين الصغار الذين تقع تحت أيديهم أمور مالية وتشغيلية، فيقوم المسؤول بتقديم إقرار كامل عند توليه للمنصب عن حجم ثروته وأمواله النقدية وممتلكاته كاملة. هذا القانون سيوقف التلاعب والهدر والاختلاس لأن المسئول في نهاية الأمر سيعلم أنه عند إقالته مضطر لتقديم إقرار جديد يوضح جميع ممتلكاته والمبالغ التي تحصل عليها مثبتة بالمستندات، لذا لو تم تطبيق هذا النظام بحزم على جميع قطاعات الدولة فسنشهد انهيارا في معدلات الفساد المخيفة وستختفي من صحفنا وأذهاننا تلك المانشيتات المزعجة عن الهدر والاختلاس والفساد التي أضحت مع الأسف واقعا نعيشه وبدلا من محاربته قررنا التعايش معه.