الإساءة للرسول الكريم كانت مبررا قويا لغضبنا ولكن مظاهر الغضب التي تصاعدت في مصر واليمن وتونس وليبيا وأخيرا المغرب كشفت بوضوح أننا أمة لا تعرف كيف تغضب، ولا تعرف كيف توجه غضبها في المكان الصحيح. للرسول الكريم حديث شريف يصفنا أمة محمد بغثاء السيل، ولعلنا لم نكن في يوم من الأيام كغثاء السيل مثلما نحن الآن، لأننا حين غضبنا كشفنا عن أنفسنا وأكدنا من حيث لا ندري أن الاتهامات التي توجه إلينا بين الحين والآخر تكاد تبدو صحيحة تماما. ولعل النكتة التي انطلقت في مصر خير دليل على ذلك، فقد قيل إننا لنثبت تسامحنا اضطررنا لقتل سفير ولإحراق عدة سفارات في دول مختلفة! في كنيسة محلية بولاية فلوريدا الأمريكية، كنيسة لا يؤمها إلا عشرات الأشخاص، تم عرض الفيلم المسيء للرسول، ذلك الفيلم الذي لم يشاهده إلا صناعه وبعض الأشخاص الذين تصادف أن كانوا هناك في الكنيسة. كان يمكن أن ينتهي الحال عند هذا الحد، لولا أن خطة محكمة تم استدراجنا إليها، خطة يعرف مخططوها أننا كمسلمين أغبى من أن نفكر في تفاديها. تسرب الخبر لدوائر الإسلام الحركي في مصر فوجدوها مناسبة جيدة أولا لاستعراض عدد تابعيهم وقدرتهم على الحشد، وثانيا للترويج الانتخابي لأحزابهم ولأيديولوجيتهم المؤسسة على فكرة «صراع الحضارات»، وثالثا لإيجاد مبررات لتمرير مقترحاتهم الدستورية باعتبار أننا في حرب دينية!. لم يكن أي من المصريين ليعرف أن ثمة فيلم سوف يعرض في كنيسة محلية بولاية أمريكية لولا تشنج بعض رموز الإسلام الحركي في مصر والتهييج المقصود لمشاعر المسلمين الذي وصل لحد عرض الفيلم في إحدى القنوات الدينية التي تحرض طوال الوقت على القوى المدنية وعلى الثورة والثوار. في ليلة التظاهر أمام السفارة الأمريكية عرفت من بعض الأصدقاء الذين أصابهم الغضب عن نيتهم لمحاصرة السفارة سلميا فسألتهم إن كانوا شاهدوا الفيلم فاكتشفت أن أيا منهم غير مهتم أساسا بمشاهدته!، وحين سألتهم عن سبب توجههم لسفارة أمريكا قالوا لي لأنها الدولة التي سوف يعرض الفيلم على أراضيها، وعبثا حاولت إقناعهم بأن أمريكا ورئيسها وحكومتها لا يستطيعون منع هذا الفيلم ولا غيره، وعبثا أيضا حاولت تذكيرهم بعدد الأفلام المسيئة لعقيدة الأمريكيين التي حاولت مراكز نفوذ عديدة في أمريكا منعها فلم تنجح، مثل فيلم شفرة دافنشي وفيلم آلام المسيح، وأن هذه الأفلام عرضت في دور العرض السينمائي وشاهدها العالم أجمع فقد كانت أفلاما جماهيرية ولم تكن مجرد أفلام قصيرة سيئة الصنع صممت لتعرض في كنيسة محلية. فيلم آلام المسيح مثلا كان منحازا لكون اليهود على عكس المعتقد المسيحي التوراتي الأمريكي هم من قتلوا السيد المسيح، ورغم الحرب التي شنتها دوائر الأصولية الأمريكية على الفيلم فإن الفيلم عرض بعد صدور حكم قضائي نص على أن الفيلم يدخل في باب حرية التعبير عن الرأي وليس للدولة أن تتدخل لقمعه. كل ذلك بلا فائدة، فقد بدا أن الغضب قد التهم بقايا العقل الذي كان لديهم. هذا ما فعله رموز الإسلام الحركي الذين لا تعوزهم المكائد من الغرب لأنهم يلتهمون أنفسهم بأنفسهم، أما الخطة فيما يبدو فقد كانت محكمة جدا، فالانتخابات الأمريكية على الأبواب، وقد كيلت الاتهامات لأوباما من اليمين الأمريكي بأنه متسامح مع العرب، بل وكيلت لإدارته الاتهامات بكونها ساعدت على وصول اليمين الإسلامي في دول الربيع العربي، ومن ثم فإن الفوضى المدروسة التي تورط فيها أبناء هذا اليمين في ذكرى الحادي عشر من سبتمبر من شأنها أن تذكر الناخب الأمريكي بالخطر المحدق به، أن تذكره بأن ثمة عدوا إرهابيا وعنيفا ولا يعرف الرحمة أصبح في سدة الحكم بعدة دول عربية، وأن مواجهة هذا العدو تحتاج لرجل صارم، رجل يعرف أن الحرب بين الشرق والغرب هي حرب دينية، ومن ثم فإن هذا الناخب الأمريكي الذي أفزعه حجم الغضب وعنفه بسبب فيلم هو نفسه عنوان الحرية الأمريكية والذي شاهد صور سفير بلاده لليبيا مقتولا وشاهد سفاراته تحترق في اليمن والسودان سوف لن يتردد في التصويت لأكثر المرشحين تشددا. بل إن أشباح التمركز العسكري الأمريكي في الشمال الإفريقي تبدو موشكة بعد الأنباء عن وصول قوات المارينز إلى ليبيا بحجة مساعدة الحكومة الليبية على تحقيق الأمن! فما لا يعرفه البعض أن أمريكا لا يمكنها التحرك دون غطاء شرعي حتى ولو كان وهميا، وأن علينا ألا نساعدها على ذلك، وأقول لأصدقائي الغاضبين «عدو عاقل خير من صديق جاهل»!