تملكتني رغبة ركوب مرجيحة العيد أثناء زيارتي القاهرة. اصطحبت طفلاً معي كى أداري نزعة الطفولة المجنونة لدي. يعلو صندوق الأرجوحة الحديدي فيضحك الصغير من قلبه فأتذكر ما مضى من العمر الماضي. ثم تهبط سريعاً فينخلع قلبي وأتذكر ما علي إنجازه في العمر المقبل. من الممتع أن نعيش لحظات طفولة نتمرد فيها على عمرنا ووضعنا الاجتماعي. حركة المرجيحة حرّكت ركود الذكريات ونبشت الحكايات المختزنة في سلة الطفولة. تذكرت لعبة البربر على الأرض وبريلا بريللا. ضحكت من أعماقي فضحك الطفل وسألني ببراءة أنت خائفة؟ كنت مشغولة بذكريات الطفولة. كم لعبنا «عسكر وحرامي» وجرينا بأقصى سرعة حتى لا يلحق بنا الصبيان، كنا دائماً محور استصغار منهم بأننا ضعيفات فنجري ونرفع أيادينا في الهواء لإغاظتهم. مع الأيام كبر البنات والأولاد، وبالرغم من أن الأولاد حولنا كانوا أكبر منا سناً. ولكن القيود على البنات كبرتنا قبل أواننا وابتدأت شلة البنات تنفصل عنهم. كانت هناك حملة لتخويفنا من أي مخلوق بصوت غليظ وشارب. كوننا لم نعد صغاراً فلابد من الابتعاد عن جنس الرجل. ابتدأنا اللعب داخل البيت بالعرائس وإذا مللنا دخلنا المطبخ للطهو. كنت أشعر أن البنت مخلوقة غير محبوبة مقيدة بسلاسل من الشكوك. ابتدأنا تكوين الشلل في المدرسة، وكل مجموعة انغلقت على نفسها. مديرة مدرستنا -أسعدها الله- أدركت الخطر فعملت على تفريقنا وأشركتنا في أنشطة مدرسية متعددة. اجتمعنا في فرقة للتمثيل وأخرى للخطابة ومارسنا الرياضة. ابتدأنا نتحرك في النور وأفهمتنا ما هي مساوئ الانغلاق وعدنا نلعب النط بالحبل. وما كنت أعتقد أنه تعنتاً من الأهل عدت لأمارسه بتفهم وشدة مع بناتي وأولادي لأن الزمن تغير للأسوأ وليس لأنهم الأسوأ. كبرنا أكثر وابتدأ نور الشمس الساطع يبدد ظلام الخوف من حولنا، فهمنا ودرسنا وعملنا وأثبتنا أننا لا نقل ذكاءً عن الرجل، وأننا نستطيع أن نتفوق ونبدع إن أخلصنا العمل.