هناك ما يشبه الاتفاق أنه لا توجد حرية مطلقة. وأن حرية الأفراد والجماعات تتوقف حين تمس حرية الآخرين أو تنتهك حقوقهم. والدين والمعتقد يأتيان في رأس هرم الحقوق. القانون قد يعاقب امرأً حين تجاوزه حدود الحرية المتصلة بشخص آخر. أما حين يتصل الأمر بشخصية المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم، فإن الدفاع عنه، يتقدَّم على الدفاع عن الذات. أجزم أن مئات الآلاف التي خرجت منددة بالفيلم، وغاضبة من صدوره لم تشاهده، ولو شاهدته هذه الجموع، لكانت ردة فعلها أقوى وأعنف، ذلك أن فيه من الإساءة والإسفاف في التصوير، والتجسيد غير الأخلاقي، لشخصية النبي الكريم، وأزواجه وأصحابه رضي الله عنهم جميعا، والإساة للوحي والقرآن الكريم ما لا يمكن لأحد أن يتصور أن يقال عن أحد، ناهيك أن يكون عن سيد البشر، وأفضل أهل الوبر والمدر. إن ردة الفعل تنطلق من إيمان وعقيدة راسخة في قلوب المسلمين. ولا يمكن للشعوب الأخرى وأهل الديانات والمعتقدات المختلفة أن يفهموا مشاعر المسلمين تجاه نبيهم، فهم لا يدركون أن تلك مسألة اعتقاد أساسية، وأن جميع المسلمين ينطلقون من حقيقة إيمانية تجاه محبة الرسول الكريم ومستندها الأساس «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين». ومن هنا ينبري المسلمون شعوريا ولا شعوريا نحو الانتصار للمصطفى عليه السلام حين ينال منه بقصد أو بغير قصد. التعبير عن الرأي، والاحتجاج والاعتراض حين انتهاك المقدس، هو دون ريب حق وواجب، لكن أسلوب التعبير قد تختلف حوله الآراء. أن يصل الأمر إلى إشاعة الفوضى في بلاد المسلمين، واختلال الأمن، وقتل الأبرياء، فتلك مسألة لا يقر العقلاء حدوثها، وإن بررها كثيرون لكونها نتيجة وليست هدفا! كثيرون يشبّهون ما يحدث بردود فعل الغرب تجاه المسلمين بسبب أحداث يقوم بها أفراد ينتسبون إلى الإسلام، حيث يؤخذ البريء غالبا بذنب المجرم. وعانت الجماعات والأفراد المسلمون في دول غربية كثيرة صعوبات جمة، وغدا المسلم متهما، عبر قوانين وضعت، وتعليمات وجهت بأسلوب بدا حضاريا في ظاهره، ومنطلقاته عنصرية مباشرة، وتعميم غير منصف. إنها مسؤولية الأفراد للتظاهر والغضب والتنديد، لكن إلى جانب ذلك، هناك أساليب أكثر مناسبة للعصر، وأقوى في التأثير المستقبلي. إن المؤسسات الإسلامية عبر العالم، بدعم من الدول الإسلامية، وبالتعاون مع المؤسسات الدينية المرتبطة بالأديان والمعتقدات الأخرى، هي الأولى بتبني الاحتجاج، والرفع بالدعوى ضد المسيء إلى كل ما يمس الدين والمعتقد بأي شكل من أشكاله وفي أي أرض يحدث. يجدر الخروج من الدائرة الخاصة بالمسلمين إلى دائرة الإيمان الأوسع، والمعتقد الأشمل عند أهل الأرض جميعا. ولو تعاونت المؤسسات الدينية العالمية، وتكاتفت المنظمات الحقوقية في العالم، من أجل حماية المعتقدات والرموز الدينية، عن طريق المنظمات العالمية، وعملت على إصدار القوانين المدنية والمواثيق العالمية، التي تضع حدا لانتهاك حقوق الأديان والمعتقدات حول العالم، لأصبح الأمر أكثر ضمانا من تكرار ما يحدث.