كان مثل الحلم أن أجلس أول مرة في مسرح إيثل بيريمور في شارع برودواي في نيويورك، وأحضر مسرحية باللغة الإنجليزية التي لا أفهم معظمها، لكن أن تشاء الأقدار أن تكون المسرحية عن شارلي شابلن، فهذا ما لم أتوقعه، شارلي الذي بنى طفولتي وصباي بفرح يشبه ناطحات السحاب في نيويورك، ثم أحبب ابني –الذي رافقني- فيه منذ كان في الثالثة من عمره، وأقرأ له حياته، وعثراته، ومأساته التي عرف أن يستثمرها ليصبح أكثر شخص أضحك الناس بصمته، وعلمهم أن الخراب هو المكان الأمثل لبناء صرح كبير من النجاح. لم يكن الممثل روب ماكلور سوى نسخة طبق الأصل عن شارلي، أما الطفل زكاري آنجر، فقد جسّد طفولة شارلي بشكل فاق الدهشة نفسها. صدقوني التصفيق رغم حرارته لم يكن كافياً لتحية كليهما. نعم أنا عاشقة مسرح، لكن أن أرى جمهوراً غفيراً في مسرح يسلم على بعضه بعضاً، وملامح الصداقة والمعرفة بادية على الجميع، فهذا ما لم أتعوّده في مكان آخر، بؤس مسارحنا طفا على السطح وأنا أتابع عرض الجمهور نفسه قبل بدء المسرحية، جمهور تعوّد ريادة المسارح، كوّن صداقات، وألفة بين بعضه بعضاً. جمهور محترم، فائق اللطافة، والجمال. نعم غصباً عني تذكرت جمهور بيروت، أعظم مدننا العربية، كيف يدخل الجمهور متأخراً بنصف ساعة أحياناً بعد بدء العرض، وكيف ترن الهواتف أحياناً، وكيف يبالغ بعضهم في رمي تعليقات سياسية تثير بعضهم الآخر. لقد حضرت عرضين خلال العرض نفسه، وعرفت أن القائل “أعطوني مسرحاً أعطِكم شعباً عظيماً” لم يُخطئ.