تُعرَف النباتات بقدرتها على التفاعل مع الضوء من حيث النمو والتفتح، إلا أن باحثين أستراليين من جامعة غرب أستراليا اكتشفوا أمراً جديداً في عالم النبات لم يكن مكتشفاً من قبل، وهو أنها تتواصل مع بعضها بعضاً، وذلك من خلال إفرازها مواد كيميائية وإصدار أصوات «هَسْهَسَة» تنطلق منها وإلى مسافات بعيدة وتستقبل ردود فعل عليها! إلى جانب هذا استطاع الباحثون أن يتبيّنوا أن الأمر لا يقتصر فقط على إفراز المواد الكيميائية ومفاعيلها، وإنما يتعداه إلى جذور النباتات الصغيرة التي تُصدر أصواتاً شبيهة بالنقر الإيقاعي، وأما الجذور التي نبتت أو وُضِعَت في الماء فإنها تميل وتنحني باتجاه مصدر الصوت! وخلص الباحثون إلى أنه بالإضافة إلى أشكال حركات رد الفعل الحسّية المرئية المختلفة للنبات فإنّ الصوت الذي تنتج عنه ارتجاجات يلعب دوراً مهماً في حياة وحيوية النبات. يقول بعض العلماء إن زقزقة العصافير «الصدَّاحة» هي بحد ذاتها عبارة عن لغات تواصل بينها ولها دلالاتها المتنوعة وليست مجرد أصوات تُطلق على عواهنها من دون أي قصد أو معنى. كذلك فإن للنحل والنمل وحتى للفراشات، لغات تواصل دائم، ولولا ذلك لما استقام العمل الذي تقوم به ولما استمرت دورة حياتها ووجودها، ولما نتج عن هذا الحراك بكل تجلياته التواصلية لإتمام عمل منضبط اتسم بالجدّ والاجتهاد والمثابرة والهندسة والتوازن. وهكذا فإن للطيور لغة أو لغات متداولة فيما بينها، وللحيوانات البرية والمائية لغاتها عبر الصوت والرائحة والحركة. هناك عديد من الناس الذين يتكلمون مع أزهار حدائقهم، ويمررون بلطف راحات أكفّهم عليها وهم يغدقون أمامها أعذب الكلام. أذكر أن والدتي –رحمها الله– كانت في كل صباح باكر تداعب بيدها نبتة «الحَبَق» المزروعة في الحديقة مع مخاطبتها وإلقاء تحية: صباح الخير… فتضج النبتة بعطر أريجها وكأنها تستجيب للحوار وهي فرحة جذلى! ولقد قامت العصافير وأسراب النحل إلى جانب الهواء بدور ساعي «البريد» بين الأشجار وكل النباتات، حاملة رسائل «اللقاح» المملوءة بالوعود ببراعم جديدة وربيع أجمل. وهكذا فإننا نلاحظ أن «الحوار» والتواصل بين الكائنات موجود منذ الأزل بأشكاله المتعددة من دون خداع أو كذب أو مراءاة. تذكرت اليوم ما كانت تردده جدتي على مسامعنا أيام طفولتنا حتى تمنعنا عن الكذب: اسمعوا يا أولاد، عندما تكذب «البنت» تموت في البراري زهرة، وعندما يكذب «الصبي» يموت عصفور! أيها القارئ العزيز، لقد تَنَبَّهتُ أخيراً أنني في بلد انقرضت على أرضه الزهور ونَدرَت في سمائه الطيور! وأن اللغة العربية «وحدوية – حوارية» بامتياز لشعب عَرَفَ كيف يتفرَّق بامتياز…!