الرياض – بنان المويلحي الشرياني: لابد من استخدام تقنيات حديثة لمواجهة الأزمة. نقي: تغيير السلوك الغذائي للمواطنين ضرورة ملحّة. الخريف: الزيادة السكانية تنذر بأزمة قريبة. التواتي: الأزمة ستطال اللحوم ومنتجات الألبان. قباني: ليس على وزارة التجارة تخفيض الأسعار. ظل «الأمن الغذائي» ملفاً شائكاً في العالم أجمع، وفي دول الخليج بصفة خاصة، ومازالت الاجتماعات والمؤتمرات قائمة لإيجاد أفضل السبل وأسرعها لتوفير الغذاء خلال السنوات المقبلة، تحسباً لحدوث أزمة كتلك التي حدثت خلال عامي 2007-2008م، وتسعى مختلف الجهات في المملكة لتحقيق الوفرة الغذائية، وقدمت الدولة دعماً متواصلاً لتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في القطاع الزراعي باستخدام أحدث التقنيات المتاحة في العالم لتطويع ظروف المملكة، مما كان له الأثر الفاعل في النهضة الزراعية التي شهدتها المملكة، فقد ارتفعت المساحة المحصولية من نحو 15 ألف هكتار فقط عام 1975م لتصل إلى نحو ثمانين ألف هكتار عام 2010م، وبذلك تمكنت المملكة بفضل من الله من تحقيق الاكتفاء الذاتي في كثير من السلع الزراعية الغذائية كالقمح والتمور وبيض المائدة والألبان الطازجة، إلّا أن الحديث الآن يدور حول اقتراب أزمة غذاء حقيقية، قد تؤدي إلى نقص حاد في السلع الاستهلاكية الضرورية للمواطنين. وقد أظهر الكتاب الإحصائي الزراعي السنوي لعام 2011 أن الناتج الزراعي بلغ 39986 مليون ريال في 2010 بنسبة مساهمة 6.4% في القطاعات غير البترولية ونسبة مساهمة 4.6% في إجمالي القطاعات، فيما وصل معدّل النمو السنوي للقطاع الزراعي إلى 1.1% في 2010 مقابل 0.6% في 2009. وبلغ إجمالي العاملين في القطاع الزراعي 492653 عاملاً في 2010 من بينهم 230513 سعودياً بنسبة 46.8%. 11950 مشروعاً وأظهرت المفكرة الزراعية الصادرة من إدارة الإرشاد الزراعي لعام 2011م أن عدد المشروعات الزراعية المرخصة بلغ 11950 مشروعاً زراعياً متخصصاً في مجالات الإنتاج النباتي، ومشروعات أخرى متخصصة في مشروعات الإنتاج الحيواني، ومشروعات النعام والمسالخ، وغيرها، أما بالنسبة لمشروعات الاستزراع السمكي فقد بلغت 44 مشروعاً لتربية الروبيان منها 23 مشروعاً في منطقة مكةالمكرمة و19 مشروعاً في منطقة جازان، ومشروعان في منطقة عسير. حزام الغلال د.علي التواتي وأوضح الخبير الاقتصادي الدكتور علي التواتي أن الارتفاع الذي صاحب أسعار المواد الغذائية جاء نتيجة للجفاف في حزام الغلال الأمريكية، وهي منطقة وسط الولاياتالمتحدة التي ينتج فيها الذرة إضافة إلى القمح، كما ضربت موجة الجفاف أستراليا وروسيا وهي دول رئيسة أيضاً لإنتاج الحبوب، وقال التواتي: إن المشكلة تكمن في أن الإنتاج الأمريكي من الحبوب يمثل نسبة كبيرة من الإنتاج العالمي. ارتفاع اللحوم وأضاف التواتي أن جزءاً من هذه الحبوب الأمريكية كان يستخدم قبل الجفاف الحاصل في إنتاج الوقود الحيوي، مشيراً إلى أن صادرات أمريكا من الحبوب ستقل مقارنة بالأعوام الماضية، مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الحبوب، الذي ينعكس بدوره على اللحوم، ذلك أن كثيراً من هذه الحبوب يستخدم بشكل جزئي كعلف للماشية، وقال التواتي «إن السلسلة الغذائية مترابطة فالحبوب ترتبط بإنتاج اللحوم كما ترتبط بدورها بإنتاج الحليب ومنتجات الألبان، وبالتالي ارتفاع أحد عناصر هذه السلسلة يؤدي إلى ارتفاع عام في أسعار الغذاء على مستوى العالم». آليات السوق أسامة قباني وأكد رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية في مجلس الشورى أسامة قباني، أن هناك توقعاً من منظمات دولية بحدوث ارتفاع في المواد الأولية، مما سينعكس على أسعار المنتجات التي تدخل في صنعها هذه المواد الأولية، مشيراً إلى أن ذلك يعدّ سبباً موضوعياً للارتفاع، وقال قباني: إن دورات الارتفاع هذه قد سبق وأن حدثت في عام 2008 واستمرت لفترة من الزمن ثم انخفضت الأسعار، مؤكداً على أن دورات الارتفاع والانخفاض قائمة على آليات السوق وهما العرض والطلب. مراقبة الأسعار وأضاف قباني أنه يجب أن نكون على اطلاع تام فيما يسمى بأسعار المصدر، حتى نستطيع التفريق بين الارتفاع الفعلي الذي يخضع لآليات العرض والطلب، والارتفاع المفتعل، وبالتالي نتمكن من تحديد سعر السوق، وأبان قباني أن وزارة التجارة ليس عليها التدخل للحد من الارتفاعات، وإنما ينحصر دورها في مراقبة السوق للتأكد من تدفق السلع، وعدم وجود أي نوع من أنواع الاحتكار أو الغش التجاري، كما يتحتم على وزارة التجارة تقعيل آليات السوق الصحيحة، لتقوم بدورها في عملية التوازن. تحدٍّ خليجي عبدالرحيم نقي وأشار الأمين العام لاتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي عبدالرحيم حسن نقي، إلى أن قضية تحقيق الآمن الغذائي في دول مجلس التعاون الخليجي أصبحت أحد التحديات الاقتصادية الهيكلية والمستمرة التي تواجهها هذه الدول خاصة في ظل ما تعانيه من تحديات في الإمكانات الزراعية المتمثلة في الموارد المائية المحدودة والتوقعات المستقبلية بارتفاع الأسعار العالمية للمواد الغذائية. فجوة غذائية وقال نقي «إن هناك عديداً من الأسباب التي أسهمت وتُسهم في اتساع الفجوة الغذائية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، تمثل أهمها في محدودية التنسيق الخليجي والمشروعات المشتركة في المجال الزراعي، وضعف الكفاءة الإنتاجية من السلع الزراعية، وضعف استخدام التقنيات والأساليب الحديثة في الزراعة، ومحدودية الأراضي المتاحة للنشاط الزراعي، بالإضافة إلى قلة توافر الموارد المائية وانخفاض كمية تساقط الأمطار، والظروف المناخية القاسية والمتقلبة التي تؤثر في المحاصيل الزراعية، وقلة التمويل الموجه للنشاط الزراعي المقدم للمزارعين، والصعوبات التي تواجه المزارعين لتسويق منتجاتهم الزراعية، وندرة العمالة الوطنية المدربة، وانعدام الحوافز المشجعة للعمل في القطاع الزراعي، وقلة الطاقة الإنتاجية للصناعات الغذائية، وضعف قدرتها على تلبية احتياجات السوق كماً ونوعاً. السودان واليمن وأردف نقي قائلا، «إن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بالقيام بجهود مشتركة لعلاج وسد الفجوة في المواد الغذائية، واعتماد استراتيجية خليجية موحدة تقوم على أساس الهم والمصير المشترك من خلال السعي نحو تحقيق التكامل الزراعي الأولي والصناعات الغذائية، الذي يراعي المزايا النسبية على مستوى دول المجلس، خاصة بعد قيام السوق الخليجية المشتركة، ودراسة اتفاقية تعاون مع الدول العربية التي لديها إمكانات زراعية كبيرة مثل السودان واليمن وبعض الدول الإفريقية لتخصيص أراضٍ للاستثمار الزراعي تكون ملكيتها وإدارتها وتسويق محاصيلها في أيدي الشركات الخليجية التي تنشأ لهذا الغرض». السلوك الغذائي وأضاف نقي «لابد من توعية المستهلكين في دول الخليج لتغيير أنماط الاستهلاك الغذائي بما يتلاءم مع وضع السوق، وإنشاء تكتلات على مستوى مجلس التعاون، للتفاوض مع المنتجين الرئيسين للمواد الغذائية الأساسية، بهدف الحصول على ميزات سعرية وضمانات الإمداد واعتماد مبالغ في الميزانيات الحكومية لمقابلة الالتزامات الإضافية المتوقعة جرّاء هذه الزيادات في الأسعار، وإنشاء مراكز أبحاث وطنية متخصصة على مستوى مجلس التعاون لدراسة هذه الظاهرة وإيجاد حلول طويلة الأمد لمعالجتها». تقنيات حديثة وأوضح مدير إدارة البيئة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية أحمد الشرياني، أنه في حال استخدمت دول الخليج التقنيات الحديثة في مجال الزراعة، لاسيما فيما يتعلق بعمليات الري، فإن ذلك ربما سيساعد بالفعل في توفير نسبة كبيرة من المواد الغذائية لدول مجلس التعاون الخليجي، وبالتالي تقلل من النسبة التي تستوردها دول مجلس التعاون من المواد الغذائية، وأضاف الشرياني «هناك المحميات الزراعية التي يمكن أن تزرع فيها المواد الغذائية، حيث إنها توفر البيئة المناسبة لكثير من المنتجات الزراعية». تحركات جادة وبدأت الغرفة التجارية الصناعية في الرياض بتحركات لإيجاد حلول سريعة لأزمة الأمن الغذائي، حيث طالبت لجنة الأمن الغذائي في غرفة الرياض بإيجاد كيان اقتصادي يختص بإدارة المخزون الاستراتيجي للسلع الغذائية، مؤكدين على أن المتغيرات العالمية توحي بأن المملكة متوجهة لأزمة غذائية، وأشارت اللجنة إلى أن هذا الكيان يشارك في إدارته وتشغيله عدد من الجهات الحكومية ذات العلاقة بالمشاركة مع القطاع الخاص، ويعمل على إحداث توازن بين الطلب والعرض، ويضمن الحصول على مستوى معين من الأمن الغذائي في البلد من خلال تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في ظل أزمات الغذاء، ويحد من الآثار السلبية الناجمة والمترتبة على تذبذب أسعار تلك السلع الغذائية، ويساعد أيضاً في انسياب السلع الغذائية للأسواق المحلية طوال العام. إسهام التجار وأبانت اللجنة أن الهيئة التي تقترح إنشاءها يمكن أن تزاول عديداً من المهام مثل (بناء المساحات التخزينية لأهم السلع الاستراتيجية بما يتفق مع مفهوم الأمن الغذائي، وإعداد الدراسات والبحوث اللازمة في مفهوم الخزن الاستراتيجي، وتحديد مقدار الفائض والعجز في ذلك المخزون لأهم السلع الغذائية الأساسية، ودراسة الأسواق الخارجية والبورصات العالمية، والتخطيط الأمثل لمصادر الاستيراد، وتحديد مقدار الفاتورة للواردات من كل سلعة لتحقيق المخزون الاستراتيجي الآمن، ومتابعة عمليات التدوير والتجديد للمخزون ومقدار إسهام التجار والمنتجين المحليين). أزمة قريبة سعد الخريف وأكد رئيس لجنة الأمن الغذائي في غرفة الرياض سعد الخريف، أن اللجنة استعرضت مجموعة من المتغيرات العالمية توحي بأننا فعلاً متوجهون لأزمة غذائية، تتلخص في ندرة الموارد المائية والظروف المناخية الصحراوية الجافة للمملكة، وتبني سياسات مائية تسببت في تدني نسبة الأراضي المزروعة، وانخفاض الإنتاج الزراعي بشكل عام، إضافة إلى الزيادة السكانية سنوياً المقدرة ب2.9% لعام 2011م، وبالتالي ارتفاع الطلب على الغذاء في المملكة، وارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي والغذائي عالمياً ومحلياً، وانخفاض المخزون الاستراتيجي العالمي للسلع الغذائية للظروف الجوية والمناخية غير الملائمة خلال الفترات الأخيرة في الدول المصدرة للإنتاج الغذائي، ودخول بعضها في موجات جفاف، واتجاه بعض الدول المنتجة للمحاصيل الزراعية الاستراتيجية إلى استخدام بعضها في إنتاج الوقود الحيوي مثل إنتاج الوقود من الذرة. الدول المجاورة وتوقع السفير الخاص في الأممالمتحدة لبرنامج الأغذية العالمي الدكتور عبدالعزيز الركبان، زيادة أسعار المواد الغذائية مطلع 2013 بنسبة تتراوح بين 5 و7%، وأضاف أن «توجيه خادم الحرمين الشريفين وتشجيعه لرجال الأعمال للاستثمار في الدول المجاورة مثل مصر والسودان وبعض دول آسيا الوسطى، سيجعل المملكة في أمان في حال نجاح هذه الاستثمارات»، مبيناً أن المملكة لا تتجه في هذا الاتجاه بشكل سريع، والسبب أن رجال الأعمال ليست لديهم الشجاعة الكافية للاستثمار في الخارج، موضحاً أن التغيرات التي تشهدها الدول كافية لإحجام رجال الأعمال عن الاستثمار في الخارج، كالربيع العربي، وما تمر به دول شمال إفريقيا، وجزء من القرن الإفريقي من الجفاف والتصحر، وكثرة الأمطار والفيضانات في باكستان. إحصاءات وأرقام الزراعة