مرة أخرى، زادت أسعار الحليب المجفف في أسواق السعودية ما يقرب من 30 % دفعة واحدة، وهي نسبة لا يمكن الوقوف عندها دون ردة فعل، أو دون اعتراض على المتسببين في هذا الارتفاع المتواصل، وعلى من سمحوا لهم بهذه التجاوزات، ورغم موجة الاتهامات المتبادلة بين جهات عدة تتقاذف تهمة ارتفاع الأسعار، إلا أن النتيجة الوحيدة التي نطلع بها، هي أن المواطن هو الضحية لعمليات جشع مستمرة، يقودها تجار أثبتوا كفاءة عالية في سلب أموال الناس، عبر احتكار السلع ورفع أسعارها بشكل متدرج. لن نقول جديداً إذا أكدنا أن الحليب المجفف سلعة أساسية، تستهلكها وتعتمد عليها غالبية الأسر السعودية، ولسنا في حاجة إلى المطالبة بضرورة توفيرها في الأسواق بأسعار مناسبة، خاضعة للمراقبة، فهذه أمور من المفترض أنها بديهية ومنفذة على أرض الواقع منذ سنوات، بيد أن الحاصل أن هناك تجاراً تسلحوا بصمت الجهات الرقابية، وقرروا من تلقاء أنفسهم، رفع أسعار الحليب، موقنين أن سلعتهم مطلوبة، وأن الزبون سيدفع ثمنها مجبراً. من سنوات عدة، وقضية أسعار الحليب في السعودية، تحتل حيزاً من نقاشات المواطنين واهتمامات الجهات المعنية، ونتذكر عندما قررت شركات ألبان رفع عبوة اللبن الطازج ريالاً واحدا فقط، قامت الدنيا ولم تقعد، وكان لوزارة التجارة حينذاك ردة فعل طيبة، مالت لصالح المستهلك، عندما أرغمت الشركات على العودة إلى أسعارها القديمة، واليوم تجرأ تجار يحتكرون الحليب المجفف، فرفعوا ثمن العلبة الواحدة زنة 900 جرام، عشرة ريالات دفعة واحدة، ورغم ذلك لم نسمع صوتاً للوزارة نفسها، وكأنها تبارك للتجار مكاسبهم الجديدة، وتدعو المواطن إلى مزيد من الصبر والتحمل (!!). نؤمن أن وزارة التجارة لن ترضى بالأسعار الجديدة لحليب الأطفال، ونؤمن أيضاً أن وزيرها سيحاول خفض الأسعار إلى ما كانت عليه قبل موجة الجشع المتعمدة، ولكن ليس هذا هو الحل النهائي للمشكلة والقضاء عليها، إذ لابد من اتباع مبدأ التشهير بالتجار الجشعين في وسائل الإعلام المختلفة، وتطبيق العقوبات بحقهم، ولابد أيضا من تحديد أسعار هذه السلع، ليكون مطبوعاً على العبوات وإلزام التجار بها، كما يحدث في الأدوية، هذا ما ننتظره من مقام الوزارة، وهذا ليس ببعيد عنها وعن صلاحياتها.