الانكفاء على الذات وغربة الروح أشد وطأة على الأنا، خاصة عندما لا نجد من يشاركنا لغتنا العقلية التي نتحدثها بطلاقة، فتكون غربتنا كليلٍ سرمدي، ونشعر كأننا آخر هنود (الموهيكان) في مستعمرة أمريكية كئيبة، وهذا يجرنا إلى السؤال، هل أصبحت العلاقه بين المثقف والقارئ العادي تعاني من وجود فجوة تجعل من المثقف كمن يغرد خارج السرب؟ لا أنكر أن الواقع الافتراضي -وأقصد بذلك (فضاءات الإنترنت)- قد أدى إلى شبه قطيعة بين الكاتب والقارئ؛ نظراً لانكفاء الأخير على ما تحويه الشبكة العنكبوتية من عوالم تأخذه بعيداً لميادين لا تسهم في ثرائه الفكري أحياناً، وإنما تزوده بمعرفة سطحية أغلبها هش، ولكنها قد تكون المفضلة لديه؛ لأنها تداعب احتياجاته وبنيته المعرفية من وجهة نظره. وفي الوقت نفسه، فإن القارئ الجيد قادر على استثمار هذه التقانة وتوظيفها إيجابياً في زيادة ثرائه المعرفي. مثل هذا الأمر يدعونا للتساؤل، هل يتحمل الكاتب جزءاً من هذه المسألة؟ وأقصد هجرة القارئ إلى سماوات الإنترنت؛ نظراً لعدم تركيز الكاتب في أطروحاته على الموضوعات التي تداعب خيالات القارئ البسيط، وتنسجم مع تطلعاته الفكرية البسيطة؟ غير أننا بالمقابل سنجد غالبية الكتّاب يحتجون بقولهم إننا نكتب للنخبة وليس للعامة! وعليه، فإنه من غير المهم لدينا إن كانت نتاجاتنا الفكرية لا تلقى رواجاً لدى عامة الناس. وعند مواجهتهم بحقيقة أن هناك الكثير ممن يصفونهم بالنخبة قد هاجروا أيضاً إلى عوالم الإنترنت، اعتقد أن إجابتهم ستكون جاهزة، وهي لا تعدوا القول بأن العاقبة ستكون للأجود، وبأن أولئك المهاجرين سيعودون إلى العالم الورقي ولو بعد حين. من وجهة نظري، إن الكثير من الكتّاب لدينا لم يدركوا إلى حينه أن هذه الثورة المعلوماتية هي الآن فقط في بداياتها، وربما خلال العقد القادم ستأخذ المتلقي إلى عوالم قد تغيبه عن الواقع الورقي (الصحافة الورقية، الكتاب) إلى أزمنه قد لا نعلمها، خاصة بعد قيام شركة (قوقل) خلال العامين المنصرمين بإجراء مسح ضوئي للعديد من المؤلفات الورقية في شتى فنون العلوم والمعارف. وعليه، أرى أن على كتّابنا أن يأخذوا مثل هذا الأمر بعين الاعتبار، وأن يوجهوا تفكيرهم نحو استثمار هذه الفضاءات الرقمية؛ من أجل إيجاد موطئ قدمٍ لهم ولبضاعتهم المعرفية في هذا العالم المتنامي يوماً بعد يوم، وإلا فإنهم سيجدون أنفسهم بعد أعوام كمن يعيش في عوالم بدائية بسيطة.