القصائد العربية المغناة فن يستمد من الشعر نخبويته ومن الغناء شعبيته ولذلك راوح بين المنزلتين كما استمد من التاريخ العريق للإنشاد والدين والابتهالات والتواشيح الدينية، ومن أيام عبده الحامولي وسلامة حجازي في مسرحياته الغنائية وبعدهما أبو العلا محمد الذي افتتح تعاونه مع أم كلثوم بقصيدة «الصب تفضحه عيونه» إلى عصرنا الحاضر أخذ هذا الفن خطين، أحدهما قيام المطربين بغناء قصائد فصيحة كنوع من التلوين والتجريب أو من باب «البرستيج» أو التكسب والتجارة، والخط الآخر تخصص بعض الفنانين في هذا اللون من الغناء مثل «مارسيل خليفة وجوليا بطرس» وهذا الاتجاه كان منصباً على القصائد الوطنية بلغتها الخطابية والمباشرة فكان مارسيل يغني قصائد لمحمود درويش وحبيب صادق وطلال حيدر وجوليا غنت في الثمانينيات والتسعينيات للثوار والمقاومة في لبنان وفلسطين منذ أغنيتها الشهيرة «غابت شمس الحق»، غير أن هذه الأغاني تظل مرهونة بإمكانات القصيدة الوطنية من حيث مباشرتها واعتمادها على الخطابية التحفيزية ومحكومة بحدود الألحان المصاحبة وهي في مجملها لا تخرج عند مارسيل عن المزج بين العود القديم والجديد مع إضافة الساكسافون إليه أحيانا وهذه إمكاناتها محدودة بالربع تون فقط وإن أضيف إليها أحيانا بعض الإيقاعات والآلات الغربية غير أن النقلة النوعية لتطوير القصائد المغناة أوغناء القصائد الفصيحة يأتي من مشروع هبة قواص التي قدمت تجربة موسيقية وغنائية فريدة بتحويلها من أغان طربية إلى غناء أوبرالي يعتمد على أداء أوركسترا سيمفونية تتميز بالتنوع فإلى جانبها العود والآلات الشرقية وجيتار صولو وتقدمها مع أوركسترا شهيرة مثل أوركسترا بولشوي من موسكو وتسعى هبة إلى إنشاء أوبرا عربية تجدها امتداداً للألحان التي وصفها أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الشهير الأغاني وتكتشف الحلقة المفقودة عن سبب اختلاف الألحان في العصر العباسي عن الألحان المعروفة في التخت الشرقي متكئة على القصيدة والشعر الصوفي للحلاج وغيره.