بعض الذين «يقدرون الحرية» يفهمون معناها، وحدودها التي تتوقف عند إضرارها بالآخرين، والبعض الآخر يتعامل مع الحرية على أنها «الفوضى» بغير العقاب، وهذا هو الفرق بين حرية «المتحضرين»، وحرية «السوقة» الذين لايفهمون حدوداً لأي شيء بما يؤدي ببالغ الإضرار للحرية التي هي مطلب الجميع، وإنْ تعامل معها كل فريق بشكل مختلف! ويؤدي «إطلاق الحرية» مع غير أهلها إلى «سقوط هيبة الدولة» بكثرة المطالب الفئوية في غير أوقات القدرة على الاستجابة لتلك المطالب بما يعني المطالبة «بالمستحيل» ولأن المطالبين بتلك الحقوق «ناس ما عندهاش نظر» فإن عجز الدولة عن التلبية يبدو -من وجهة نظرهم- إنكاراً من الدولة لتلك الحقوق مع أن المطلوب هو فقط تأجيل التنفيذ إلى «حين ميسرة» وهي الميسرة التي في طريق الوصول إلا أن صبر الناس طوال سنين الدكتاتورية قد نفد مع «عصر إعادة الحقوق» الذي بالفعل قد بدأ. إلا أن «عصا» الأنظمة التي قد سقطت كانت قاسية وغليظة بما منع أي مواطن من المطالبة بحقوقه وإلا تولت أمره «أجهزة أمن» لا تعرف الرحمة. حيث كان الرد الوحيد على أي مطالبة هو الإرسال إلى منطقة «وراء الشمس» التي لم يعد منها أحد ليحكي لنا ماذا كان يجري هناك؟! والغريب أن «الصابرين بالإكراه» أيام الدكتاتورية قد فقدوا الصبر عندما لاح «عصر إعادة الحقوق» بعد ثورة يناير حيث جرى صراع «شبه وحشي» بين «أصحاب قرار الاستجابة»، والمطالبين بالقرار رغم عدم وجود «رصيد كراهية» أصلاً بين الطرفين ولا عداء. هذا الصراع -من غير الصابرين بضعة أسابيع أو شهور لرد حقوقهم- قد يجبر أصحاب الأمر إلى عودة استعمال العصا على الأقل لتنظيم «طابور صرف الحقوق»، ذلك أن طوائف مصرية -من أسف- قد تعودت على «العصا الظالمة» بينما تستنكر الآن استخدام «عصا العدل» في تنظيم صفوف آلاف المتظاهرين الذين خرجوا لنا في كل الشوارع مطالبين بحقوق طال صمتهم عليها خوفاً من «عصا الدكتاتورية» التي لما أزيلت تعالت الأصوات مطالبة «بوحشية» بإعادة كل الحقوق الآن وفوراً .. دفعة واحدة!!