حديثنا هنا طبي، ليس عن الدرع والمجن والرمح والسيف، بل حالة غريبة واجهتنا أثناء عملنا في المملكة، وهو انفجار زائدة دودية انحبست في درع من الأنسجة المجاورة، فتحولت إلى ورم؟. وهي حالة من حالات عدة تقول إن كل بلد له أمراضه النوعية. حتى المرض الواحد يأخذ تطورا خاصا به يختلف من بلد لآخر. أذكر نظيرها من انسداد معوي بديدان الإسكاريس عند مريض يمني. فلنروي هذه القصة. اتصلت على المقيم عند منتصف الليل هل من حالة؟ قال مريض سيريلانكي «شكله زايدة ومو زايدة» (الحالة بين بين)! قلت له ضعه تحت المراقبة لنرى. في صباح اليوم التالي رأينا من الأفضل أخذه للعمليات. اعترف أن حكم المقيم كان في مكانه. منطقة أسفل البطن الأيمن لم تكن مريحة، ولم يكن شكل البطن الاعتيادي. فتحنا البطن. فوجئت بكتلة ورمية هائلة في منطقة الأعور. اعترف أنها كانت الحالة الأولى لي خلال عشر سنوات. بالمناسبة كل حالة نراها هي جديدة علينا، وتزيد خبراتنا خبرة. المريض هنا يعطينا من حياته وآلامه ما نتعلم الجديد ونأخذ رواتبنا عليه. أليس علينا أن نشكر من أتاح لنا هذه الفرصة لزيادة الخبرة؟ خلال تسع سنوات من عملي مئات من حالات الزائدة الدودية الملتهبة، لم أواجه حالة واحدة من هذا النوع. هنا عرفنا طبيعة جديدة من الأمراض في المملكة لم نواجهها من قبل. إنها مسألة شائكة وحساسة وأيضا لها تداعياتها القانونية كما حدث معنا. لم يخطر ببالي سوى أن الكتلة ورمية سرطانية مع انتشارات إلى الجوار. كانت العقد اللمفاوية متضخمة بحجم ثمرة (الكستنا = البلوط). لم يكن ثمة طريقة لفحص نسيجي سريع. الحالة كانت هكذا في ألمانيا (خزعة سريعة تعطي القرار للجراح كيف يتصرف؟). كانت نتيجة الخزعة السريعة في ألمانيا مثلا عن ورم الثدي مثل حكم الإعدام من قاضي. كان طبيب الباثولوجيا (التشريح المرضي) يقولها لنا على التليفون في كلمات بطيئة مقطعة ويكررها (سرطان = كارسينوما .. سرطان). مباشرة نقطع الثدي، ونفرغ الإبط من العقد اللمفاوية فتخرج المريضة من قاعة العمليات دون ثدي. ويتم هذا الأمر بعد أخذ الموافقة عليه من المريضة قبل العملية. بالنسبة لمريضنا السيريلانكي لم يكن عندنا قدرة استشارة طبيب التشريح المرضي بمثل تقنيات ألمانيا. كانت إحدى المواجهات القاسية هي العمل في جو طبي متخلف جدا عما تعلمناه. لابد من اتخاذ القرار وبسرعة، وهذا الذي كان، فقد قمنا بعملية كبيرة أخذت ساعات طويلة، قطعنا المكان المشبوه بالكامل وإعادة تصنيع المنطقة. خرج المرض بعد عشرة أيام معافى إلى البيت، ولكني لم أتعافَ من سؤال وجواب. فهذه هي ضريبة أن يتعلم الإنسان في الغرب، ثم يأتي ليعمل في الشرق. كنت أتصور نفسي مثل راكب سيارة مرسيدس بسرعة 160كم/ساعة على طريق سريع بين فرانكفورت وجيسن. ثم فجأة خرجت إلى منعرج، وليس ثمة سفلتة، بل أرض حجرية وتراب. النتيجة خضخضة ورجرجة وربما حادث تدهور وانقلاب!!