كان من أهم قرارات مؤتمر القمة الإسلامية الطارئة، الذي عقد في مكةالمكرمة في 26-27 رمضان 1433ه تأسيس مركز للحوار بين جميع المذاهب الإسلامية، يكون مقره في مدينة الرياض، وذلك وسط تفاقم التوترات المذهبية بين فرق السنة والشيعة في العالم الإسلامي، ومع غلبة المفوهين المغرضين ممن يطيب لهم إذكاء نيران الفتنة وإعلاء الخلاف بين الطوائف المسلمة، واستقطاب قنوات الفتنة لهم، بنوازعها وماديتها، بالإضافة لاستباحة العامة لنهج التواصل الاجتماعي والنشر الإلكتروني، التي يعشش فيها البوم، والغربان، ويتغلغل في معتركها الأعداء والخونة وناقصو الثقافة، ليتم الطعن والتشكيك في كل نهج ورمز، مما زاد من تشتت الأمة، وتناحرها، وهلهلة الكيان الإسلامي، وتحطيم كل فرصة لوحدته. والملاحظ أن الخلاف لم يعد سنيا شيعيا، بل تجزأ إلى أقسام أصغر، توالي الانقسام على بعضها، إلى عدة شعب، تكاد ألا تلتقي، بل إن بعضها ليكفر بعضا. ولا شك أن مجرد طرح فكرة الحوار بين كل هذه الأضداد يُعد عملا جريئا عظيما سباقا، ويعد الأول والأضخم منذ بدء الانقسام الشيعي السني، أي قبل حوالي أربعة عشر قرنا من الزمان، عملا يأتي بنيات خير بإذن الله، ورغبة في طي صفحات الخلاف. ولكن هل تصدُق النيات، وهل تتشجع الجهات المعنية، وتُقبل على هذا الحوار بعقول منشرحة تلملم شُتات الشمل، وتُقرب البعد، وتسد الفُرج؟ وهل سيتحاورون بنيات مؤمنة ناصعة مسالمة مسلمة، وبرغبة في تعديل عوج الذات، قبل تعديل الآخرين؟ هل سيقتنع كل طرف بأخطائه هو أولا، وضرورة البحث عن حلها؟ وهل سنربح كمسلمين مردود هذا العمل الجذري الجماعي الحضاري الفذ، والذي نتمنى أن يتوصل إلى منطقة صلح وسلام متوسطة ترضي الجميع؟ الحوار ثقافة وفن وعلم وأخلاق، بسماحة وعدالة وصدق وأمانة، ويتطلب وجود متحاورين (متفقين على الثوابت)، ملمين بمراجع عموم المناهج، ناضجين شجعان، لا هدف لهم إلا إعلاء كلمة الحق، ليتمكنوا من التغيير، بقوة تتقبل النقد، وتعترف بالخطأ، لمصلحة الإسلام والمسلمين. والحوار المذهبي يحتاج لوجود أجندة عمل واضحة، وخطة منهجية راقية محترمة لا تسمح بتكرار الزلل، ولا ببعث مواطن الخلاف.والمجلس الإسلامي الأعلى المكلف بإدارة هذا المركز يجب أن يكون مختلطا من كل الفرق، وأن يتحلى بالوضوح والنزاهة، وأن يضطلع بمسؤولياته التاريخية الأخلاقية العظيمة لتحقيق الفائدة المرجوة من هذا الحوار، بشروط: (1) صفاء النية وخلوها من أي أهداف ملتوية، وأن يكون التعامل مع جميع الأطراف راقيا، وأن يكون الحوار سريا لا يُسمح لوسائل الإعلام بحضوره. (2) أن يدعى إلى الحوار ممثلو جميع المذاهب والطوائف، والطرق، والفرق الإسلامية، مهما كان قدر الاختلاف معها. (3) أن يكون من يمثل كل طائفة أو مذهب على مستوى رفيع من العلم والسماحة والاستبصار، وأن يكون مطاعا مبجلا بين أتباع مذهبه أو فرقته. (4) أن يكون قادرا على اتخاذ القرار في حينه، ودون تعطيل، ولا تطويل، ودون الحاجة إلى مرجعية أعلى. (5) أن تستخدم طريقة الشورى الإسلامية، بأن يتم طرح كل قضية مختلف عليها، على بساط البحث والنقد من الجميع، وبكل وضوح، وأن يتم مناقشتها من كل الأوجه، والتأكد من صحة مصدرها، ومتنها، ومصداقية ناقلها، ومطابقتها للقرآن، وعقلانيتها، ومن ثم أن يُعمل عليها تصويتا بين الحاضرين، لأخذ موافقتهم، أو معارضتهم على ما جاء فيها. (6) أن يتم رصد عدد الأصوات، فإذا حصلت على أغلبية، فهذا يجعلها صحيحة وملزمة، أي من درجة (المتفق عليه)، أو ببلوغها درجة (الحسن)، وذلك بمعارضتها من عدد قليل من المتحاورين لا يصل للنصف، أو درجة (الضعيف)، عند وجود معارضة تصل لأكثر من نصف الأعضاء، أو أن تحدد بأنها (موضوعة)، بمعارضة أغلبية الأعضاء. (7) أن يتم جمع كل ما تم مناقشته، وتدوينه، وتبويبه، واعتباره منهجا إسلاميا وسطيا منتخبا، (متفق عليه)، واعتبار أي تصرف أو اعتقاد خارج هذا الإطار معارضا لجماعة المسلمين، أي لعموم المذاهب الإسلامية. دعونا نتأمل الصلح، وقد يكون هذا هو أول طريق العودة لعزة الإسلام والمسلمين.