أكدت الشاعرة والكاتبة الكويتية هدى أشكناني أن الشعر دفقات شعورية تخرج من الذات لتتصل بالآخرين، ولا يمكن تأطيرها في مكان وزمان محددين، وأن للشعر رسالة إنسانية يحاول إيصالها بكل الطرق والأساليب المتاحة؛ هو ليس للمتعة، بل يحمل على عاتقيه قضايا تهم ذاته، مجتمعه، ووطنه، منوهة أن الشعر فضاء واسع لا يخضع لتقييد، والشاعر يقاوم قوانين الواقع ويطوّعها لما يريد، ولهذا يعد الشعر من أهم (مربكات) الحياة!، معتقدة أن الشاعر لا يمكنه أن يوضع في خانة لا تشبهه، فهذا الكون والفضاء له، «لذا لا يمكنني تقبل أجندات يرغمني الواقع على الخضوع لها، فالشعر لم يكن يوماً منقاداً، فالحرية له في كل شيء، وكل تصرف». وعن رأيها في المشهد الشعري في الخليج، أكدت أشكناني في هذا الحوار مع «الشرق»: لا يمكنني تقييم الحركة الشعرية وأنا ضمن خارطتها! فقد يميل بعضهم إلى كتابة الانفعال الأول حول أي قضية، أو مشهد، وقد يكتب بعضهم ما يدخل الشعر في منظومة الترويج الإعلامي. الشعر بالنسبة لي حالة إبداعية، ولا يمكنني الكتابة بطريقة انفعالية فورية، وأشبِّه كتابة الشعر بهندسة البيت، دون أن يعني ذلك أنني فاقدة للشعور، فالقصيدة ليست الدليل الوحيد والكافي على شعورنا وانتماءاتنا الإنسانية. وأعتقد أن تقييم الشاعر الحقيقي يكون من خلال نصه ومجموعته الشعرية، بعيداً عن أي ترويج إعلامي قد يخلقه بعضهم لأجل التكسب. وتضيف أشكناني حول ما يسمى «لعنة السكون»، إنها حالة التوحد مع الذات «المركونة»، أو إعادة النظر في جدليات كثيرة تحيط بالأنا والآخر، لخلق موازنة تقريبية شبيهة بالحالات الشعرية. وهنالك مرحلة فاصلة تساهم في امتزاج وجودنا بالعالم/ الآخر الخفي، كلما طالت هذه المدة، كلما زاد قربنا منه. ونحتاج في كثير من الأحيان للحظات سكون لتجديد أفكارنا، ورؤانا، وتكييفها مع المحيط لئلا نكون في معزل عنه. وعن التداخل بين نقد الشعر، ونقد ذات الشاعر، الأمر الذي قد ينزع عن الشاعر شاعريته، ذكرت أن هذا ما يفتقده بعض النقاد، مع الأسف، «يجب أن تكون حيادياً، وأن تصرف نظرك عن كل ما يحيط بالشاعر من جنس، ولون، وعمر، ووطن.. إلخ، وتكتفي بالنص المقدم أمامك». وتضيف، «لهذا تفتقد بعض الحركات النقدية إلى الموضوعية في التعامل، حين تدخل في محسوبيات كثيرة، وتمنع من مواصلة الحركة الإبداعية -شعراً ونثراً- لتطورها المنطقي، فالنقد إن اخترق هذه الموانع يدخل في إشكاليات الصدق النقدي، وهو أمر له ترتبات لها أن تضر بالإبداع ومفهوميته. وعن أين يكمن الجمال بين كلماتها في خضم هيمنة قبح الواقع، أجابت أن تعاملها مع النص كتعاملها مع الإنسان، «لكل منا جماله وقبحه، وهناك ما يوازن بين الكفتين، أو يرجح كفة على أخرى. لربما الجمال الكامن الذي تبحث عنه ليس موجوداً! نصوصي غالباً ما تكون مرآة لكل الذين صمتوا، ولم يتمكنوا من التعبير.. كل من فقدوا لذة الحرية، لذة العيش بسلام. حتى الحب الذي ننشده بدأ يتلاشى في هذا القبح الذي يجرفنا وينهي (إنسانيتنا) الجميلة».وحول ارتباط الشعر عندها بالقضايا، أو كونه فناً للمتعة الحسية، ذكرت أشكناني أن الشعر حالة تعبر الواقع بسنوات ضوئية، لتصنع منه أغنية، «الشاعر، كأي إنسان، مواطن يتفاعل مع قضايا المجتمع، ويكوّن رأيه الخاص، والشعر في حد ذاته قضية!». وقالت عن الإنسان: هو كل ما يصلح لأن يكون قضية في شعري، بكل ما فيه من قوة وضعف، سعادة وتعاسة، جبروت وإذلال.. إلخ، هو الكائن المتمرد، الذي يضيع ويجد نفسه في وجهة أخرى. أما الشاعر، وقبل أي شيء، فهو إنسان، وكل من له مبدأ ثابت يدفع الثمن، ومثاله ذلك الذي يحرم من العمل المناسب لدرجته العلمية، حين يتدخل عامل الوسطاء. وعندما يقاوم الشاعر رئيسه الظالم، أو أن يقف إلى جانب الفقراء والأبرياء، ألا يدفع الثمن؟وعن رأي الشاعرة بمن خذل الآخر، المرآة أم القصيدة، غالباً ما تتساءل ما المرآة التي أحرص على مطالعتها كل يوم؟ هل هي الأنا، أم الآخر؟ إذا كان الجواب (الأنا) فهي غالباً ما تخذلنا، وتضعنا في حيرة تُرسم في هذا الزحام الكوني. وإن كان الجواب (الآخر) فهو لم يخذلنا، كونه المتغير الذي يرينا حقائق تدهشنا وتربكنا أحياناً. وأفادت أشكناني أن مواقع التواصل الاجتماعي أضافت لها كثيراً، فقد قربت لها شعراء وكتّاباً كانت تحلم بالتواصل معهم، أو اللقاء بهم، فكانت هذه المواقع الفرصة المناسبة والصدفة الأجمل التي جمعتها بهم، وساهمت في توطيد العلاقة معهم، «بالرغم من قلقي في التعامل معها، إلا أنها فضاء تجد نفسك مرغماً على ولوجه». وأكدت أن تجربتها في مواقع التواصل أفادتها في الحوارات والنقاشات مع الأصدقاء، أو ممن دخلوا في دائرة علاقاتها، «هكذا نقاشات تساهم في خلق تجربة غنية قد تشكل قضية شعرية انطلاقاً من عوالم افتراضية، لكنها أقرب ما تكون للحقيقة». غلاف «سماء تبحث عن غطاء»